بقلم - سمير عطا الله
حتى أحداث مايو (أيار) 1968، زودت الجمهورية الخامسة فرنسا بعشر سنوات من الاستقرار السياسي، يدعمها النمو الاقتصادي القوي. ومع ذلك، في سياسته الخارجية، كانت إنجازات ديغول أقل بكثير من طموحاته. ربما كان أحد أسباب ذلك أنه فشل في تحقيق التوازن الضروري بين الرؤية «النبوية» وفن الحكم «الواقعي». كان طموحه على المدى الطويل هو التغلب على القطبية الثنائية لسياسات الحرب الباردة التي، في رأيه، ضغطت على أي مساحة للقوى المتوسطة، مثل فرنسا، لتأكيد وجودها. لم يعتقد ديغول أن نهاية الحرب الباردة كانت ضرورية فحسب، بل إنها لا مفر منها. لم يشر إلا إلى روسيا – غالباً روسيا «الأبدية» – وليس إلى الاتحاد السوفياتي، مدعياً أن روسيا ستمتص البلشفية في نهاية المطاف كما يمتص ورق النشاف الحبر.
لقد استمتع بمحاضرة القادة الأميركيين حول حماقة مشاركتهم في حرب فيتنام، التي لم ينظر إليها على أنها نضال لقيم «العالم الحر» ضد الشيوعية، ولكن كنضال وطني من أجل التحرر أثناء العمل على التغلب على الحرب الباردة من خلال التواصل مع الكتلة الشرقية، وإبعاد فرنسا عن أميركا. سعى ديغول على المدى القصير إلى تأمين دور فرنسا في إدارة التحالف الغربي، مساوياً لدور الولايات المتحدة وبريطانيا، مع بناء أوروبا سياسياً في نفس الوقت، حتى تتمكن من العمل كقوة مستقلة في السياسة العالمية بين كتلتي القوى العظمى المهيمنتين. كان مفتاح تلك السياسة إقناع ألمانيا بالنأي بنفسها عن الولايات المتحدة. لم يتحقق أي من هذه الأهداف.
أما بالنسبة لمبادراته لتعزيز اتحاد سياسي أوثق بين القوى الأوروبية، فقد فشل جزئياً. حاول ديغول اللعب على مرحلتين - القوى العظمى والقوة الأوروبية - لكن فرنسا لم تكن كبيرة بما يكفي للأولى (لم يكن لديها أسلحة نووية بعد)، وكبيرة جداً بالنسبة للثانية، رغم أن ديغول نجح في توقيع معاهدة فرنسية - ألمانية تاريخية في عام 1963.
كانت إنجازات ديغول في السياسة الخارجية سلبية بشكل أساسي. منع مرتين طلب بريطانيا الانضمام إلى السوق المشتركة (1963 – 1967)، كان يخشى أن يكون البريطانيون نوعاً من «حصان طروادة» الأطلسي، لكنه فشل في تحقيق طموحه لكتلة أوروبية سياسية أكثر تماسكاً. أخرج فرنسا من حلف شمال الأطلسي، ولكن ذلك لأنه فشل في محاولته أن يعامل كشريك على قدم المساواة مع بريطانيا وأميركا.
في العامين الأخيرين من رئاسته، كان هناك شعور عام بأن ديغول، في أواخر السبعينات من عمره، كان يفقد لمسته. بدا أكثر فأكثر مثل رجل عجوز في عجلة من أمره.
غير أن هذا لا يمنع أن أميركا رأت فيه منافساً وخصماً. وما كان يخيفها، لكنه كان يؤرقها بالتأكيد. وهو استمر في عناده عملاً برؤية فيلسوفه الأول هنري بيرغسون، وهي أن لا شيء ثابتاً، أو مستقراً، في هذا العالم.