سمير عطاالله
منصب رئيس الوزراء في العالم العربي، فخري أحياناً كثيرة. وفخري خصوصاً حيث تطغى شخصية رئيس الدولة، ويتحول الرجل إلى ظل، قليل الظهور، وإذا ظهر يظل ضمن إطاره، ظلاً. فيما عدا رجال مثل الدكتور محمود فوزي، أيام عبد الناصر، لم يكن كثيرون يعرفون من هو رئيس الوزراء في مصر. ولم يكن ذلك ضرورياً في أي حال. ومع الرئيس أنور السادات كاد المنصب نفسه يختفي. وفي ظل صدام حسين لم يتملك الفضول أحد، وألغى الأخ القائد كل المناصب، وحولها إلى أمانات شعبية. لكي لا يكون لقب لأحد سواه.
بعكس ذلك كله، حافظت دول مثل الأردن والكويت، على أهمية الموقع وصلاحياته. وفي لبنان بلغ الموقع أقصى أهميته مع رجال مثل رياض الصلح، ورشيد كرامي، وصائب سلام، ورفيق الحريري، وبلغ أقصى الضعف مع آخرين. وكان هناك دوماً نزاع حول الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بلغ أقذعه في الخلاف والتصدي الآن بين الرئيس ميشال عون، والرئيس سعد الحريري. وهو أسوأ ما شهدنا في لبنان، من معاملة رئيس الجمهورية لزعيم وطني وسياسي ذي خلق وطيبة ونوايا حسنة.
وعذراً، فليس هذا موضوع المقال. هذا استطراد شفوي، تلقائي، تتالى بنفسه؛ إذ رأيت نفسي ملزماً الكتابة عن غياب الدكتور كمال الجنزوري، الذي سمّي «رئيس الوزراء الحقيقي». وأنا مدين للرجل باعتراف واعتذار. يوم أقاله الرئيس حسني مبارك، كتبت هنا، بجهل كثير ومعرفة ضئيلة، أن الأفضل لمصر أن يكون رئيس الوزراء بشوشاً مثلها.
ويبدو أن المقال أثار عتباً في القاهرة. يومها، كان رئيس التحرير الأستاذ عبد الرحمن الراشد، وهو صحافي فائق المهنية ورجل غير مصاب بعاهة الحسد، وإذا بي في اليوم التالي أقرأ مقالاً له، يعدّد صفات وإنجازات الدكتور الجنزوري، ومن دون أن يبدو ذلك رداً على ما كتبت، أو تنكراً لما ذكرت.
طبعاً أدركت أن أحداً ما في مصر، ربما الدكتور الجنزوري نفسه، قد لفت الأستاذ الراشد، إلى ما حدث من خطأ وسذاجة في تقييم مرحلة من أنجح مراحل مصر الاقتصادية. بعد تنحي الرئيس مبارك أصبح الجنزوري رئيساً للوزراء مرة أخرى. وفي أدق وأصعب المراحل من حالات مصر واضطرابها، حافظ الجنزوري على توازن الدولة وسلامة الاقتصاد. وكنت وأنا أتابع عمله أزداد ندماً كل يوم، على الخفة التي تعاطيت بها مع رجل في مثل هذا الثقل العلمي والوطني. وليس من مناسبة أكبر من الموت يعبّر فيها المرء عن ندمه واعتذاره. أمثاله استحقوا الحياة والموقع.