فرقة المفتشين

فرقة المفتشين

المغرب اليوم -

فرقة المفتشين

بقلم -سمير عطاالله

عاش القرن العشرون يطارد رجال الشرطة السرّيين، لكي يعرف منهم من هو المجرم الذي ارتكب الجرائم الغامضة. أشهر هؤلاء كان شرلوك هولمز، بطل آرثر كونان دويل، والمفتش بوارو بطل أغاثا كريستي. ثم انتقل التشويق والإثارة في السينما إلى بريطاني آخر هو ألفرد هتشكوك.
يقوم أدب الجريمة على معادلة بسيطة جداً: قتيل وقاتل. وقبل العثور على القاتل تُلقى الشبهات على مجموعة من الناس. وفي النهاية يكون القاتل هو الأكثر بعداً عن الشبهات، لكن ما يسمرك في حضور المسرحية، أو قراءة الكتاب، أو مشاهدة الفيلم، هو الخوف والغموض. إن القاتل يتجوَّل على ظهر الباخرة في النيل، أو بين ركاب «قطار الشرق السريع»، يزرع الرعب حول من يكون الضحية التالي، وما من أحد يستطيع شيئاً؟
كم يبدو «كورونا» بطلاً من أبطال أغاثا كريستي. قاتل غامض رهيب لا يعرفه أحد. كل يوم يتداول ركاب القطار معطيات جديدة حول الضحية الأخرى، ويلقون بالظنون على مشبوه آخر. ثم تقع الجريمة التالية في مكان آخر. مرة يقال إن «كورونا» فيروس مختبري. ومرة إنه جرثومة من وطواط. ومرة يقال إنه جرثومة تسربت من مختبر الجراثيم الرهيب في «ووهان»، ومرة إنه من سوق الطيور والسحالي فيها. ودائماً هناك من يقول إنه عقاب للبشر بسبب خلاعتهم الزائدة.
هو، في نهاية الأمر، القاتل الغامض، الذي اخترعته أغاثا كريستي ولم تعرف كيف تسيطر عليه. ظنت أنها تتخيَّل جرثومة صغيرة، فإذا هي وحش رهيب. صنعت كل شيء فيه بعناية فائقة ونسيت الكابح. صنعت «الريموت» بمهارة فائقة ونسيت أن تعبئه بالبطاريات: لم يعد هناك وصل بين الوحش وصاحب الرسن.
تذكر تشرنوبيل. لقد صنع السوفيات منشأة نووية هائلة ترعب أميركا ومعها الأطلسي. ثم حدث ثقب صغير، فارتعدت روسيا وانتشر الموت وبردت الأرض ونفقت المواشي وصولاً إلى تركيا، وفازت سفتلانا الكسييفيتش بنوبل الآداب على المقابلات التي أجرتها مع الضحايا.
ثقب صغير مثل التسرب الذي قيل إنه حدث في ووهان. عالم مدجَّج بالسلاح النووي، وثقب صغير قد يؤدي إلى الفناء الأخير. وعندما يعرف المفتش بوارو من هو القاتل، يكون الرماد قد لف الأرض من دون أن يترك مساحة لسفينة مباركة تؤمن حماية المخلوقات.
وضع «كورونا» هذا العالم أمام أفظع امتحانات الهشاشة في تاريخه. هذا ما يشبه عملاقاً هائلاً ويعاني من هشاشة العظام: أنت أمام عدو لا يناقَش ولا يفاوض ولا يعرف لماذا يكتسح الكون بالموت. جيوش من الخفافيش تهاجم الكوكب. الطاعون تنقله الفئران، و«كورونا» توزعه الفئران الطائرة في كل الأنحاء. كانت أغاثا كريستي تحدد سلفاً الضحية والمشبوهين وترسل المفتش بوارو، بشاربيه المضحكين، في أثر القاتل. العالم اليوم بحاجة إلى فرقة من المفتشين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرقة المفتشين فرقة المفتشين



اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 07:09 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

مستحضرات تجميل تساعدك في تكبير شفتيك خلال دقائق

GMT 03:29 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

ديكورات ثلاجات يُمكن أن تستوحي منها إطلالة مطبخك

GMT 01:08 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عطيات الصادق توضح كيفية التعامل مع أهل الزوج

GMT 00:10 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

التشكيلي رشيد بنعبد الله يحتفي بالفرس في معرض فردي

GMT 07:30 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مصممة تضفي لمسة جمالية على منزل قديم في إنجلترا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib