مفكرة القرية بقرات السماء

مفكرة القرية: بقرات السماء

المغرب اليوم -

مفكرة القرية بقرات السماء

سمير عطاالله
سمير عطاالله

ها هي آتية مرة أخرى، أصبحنا نعرف طقوسها ومقدماتها. الرتابة في جنون الطبيعة. فجأة تعِم سحب تعتم الضوء في البيوت. ويقرع رذاذ خفيف زجاج النوافذ. ثم يقوى. ثم يستقوي. ثم يلحّ. ثم يلج. ثم ينهمر. وبعد لحظات سوف تصل العاصفة نفسها، قادمة من كل الجهات، تصفر لها الريح في الصنوبر، وتبرق بها السماء وترعد، وتطمئن الجدّات الأحفاد الخائفين: إنها بقرة السماء تزبد طلباً لعشائها.

يختار الأطفال أن يصدقوا، لأن الخرافة أقل إخافة. ولن يعتادوا مفاجآت الشتاء الذي يقبع في الخارج عارياً ومجرداً من جمالات الأرض وألوان الربيع. ومهما رعدت بقراته فلن يطول. وهذا وعد قاطع من الجدّة التي تطرح برهانها أمامها على البساط الذي حاكته بأصابع يديها المباركتين. تعرف ذلك لأن النهارات بدأت تطول، والغياب يتأخر، متسكعاً في بلاد أخرى، قبل الغرق في هذا الأفق.
تعدُ الجدة بكل حلاوات الحياة. بالصحو بعد العاصفة. بالقمح المسلوق مع الجوز وماء الزهر. «بعيدية» نقدية ملوكية لكل من يحفظ دروسه، وآدابه، وشجاعته ضد بقرة السماء.

لكن السماء الآن لم تعد تتحمل ثقل سحُبها المتعبة بها. وصار المطر الهاطل يذكّر الأحفاد بالحكايات القديمة. الفيضان والطوفان ومطر لا يتوقف. ومن يدري فقد تعوي الذئاب الجائعة بعد قليل. أو ابن عرس، ذلك المشرد الأبدي الحزين، في الصيف والشتاء. وله في حكايات الجدّة ألف اسم. ودائماً بعطف. وأحياناً بإعجاب، وعندما يكون اسمه ثعلب.

أصبح الأحفاد يعرفون الأشياء جميعها، تقريباً. يعرفون الشتاء من عريه الكئيب، والربيع من بهجته، والصيف من كبريائه، والخريف من صراع الشجر مع الريح. وما أن ينتهي من تعرية أوراقها، حتى تغيب العصافير، ويغيب الصحو، وتستسلم الشمس للبرودة وصراع السُحب على مواقع الهبوط.

كل الأشياء تبدو بعيدة في عزلة الأبواب والشبابيك المغلقة. الوادي المقابل والتلال والحقول والصخور الرملية التي تربض مثل مخلوق صحراوي في فناء الصنوبر.
يتقلب الأحفاد في مخاوفهم من دون بوح. لكن الجدّة تمازحهم وتقترح عليهم حكاية لم يسمعوها بعد. لقد مر بها تسعون شتاء كمثل هذا الشتاء. تركت الريح تجن، والعاصفة تزبد، وبقرات السماء ترعد مثل دب غاضب. وظلت واقفة في النافذة تنتظر الربيع المغرد.

أما الأحفاد فغافلوها وانصرف كل منهم إلى «كومبيوتره» يبحث في «غوغل» عن صيرورة البرق والرعد وهبوب العواصف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية بقرات السماء مفكرة القرية بقرات السماء



GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا
المغرب اليوم - المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا

GMT 08:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا
المغرب اليوم - ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا

GMT 16:36 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
المغرب اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 01:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 24 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة

GMT 01:40 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

زين الدين زيدان يرفض عروض التدريب بعد رحيله عن ريال مدريد

GMT 20:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

فيسبوك يضيف "عدد المشاهدات" للصور والنص في المنشورات

GMT 02:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حكيم زياش أكثر من سجل للمنتخب المغربي في ملاعب إفريقيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib