سمير عطاالله
الانتقال من راقصة ومغنية وممثلة إلى الصحافة، كان فصلاً آخر من شجاعة اليتيمة الطرابلسية. لم تفكّر لحظة - أو هي فكرت كثيراً – في أن مصر السياسية سوف تتساءل، في السر وفي العلن، ماذا ستفعل هذه الراقصة الغريبة في دنيا الباشاوات والزعامات والأسر الكبرى؟ وهل يؤهلها كونها لبنانية، أن تقف في سباق مع مواطنيها أصحاب «الأهرام»، و«الهلال»،و«المقتطف»؟ سيدة متواضعة التعليم تنزل إلى ساحة، أبطالها سليم تقلا، وجرجي زيدان، وفؤاد صروف؟ الجواب، لا، لا يؤهلها، ولكن الأمر ليس مهماً. بطلة جميع الحواجز، فاطمة اليوسف. روزا. أو روز، الاسم الذي ستعطيه أيضاً لمجلتها، وتُعرف به حتى غيابها عام 1958 عن ستين عاماً وثلاث زيجات وابن يدعى إحسان عبد القدوس، ثالث أشهر الأسماء بعد نجيب محفوظ ويوسف إدريس.
تروي روز في مذكراتها، أنها كانت في مقهى في أحد الشوارع المتفرعة عن شارع عماد الدين، مع زوجها زكي طليمات وبعض الأصدقاء، يتحدثون في إسفاف المجلات الفنية، عندما وُلدت فكرة إصدار مجلة راقية في هذا الحقل. واقترح زكي «الأدب الرفيع» اسماً للمجلة. واقترح الآخرون اسم «الأمل». وصرفت فاطمة جميع الاقتراحات: سوف يكون اسمها «روز اليوسف». ولتنسَ مصر أنها قادمة من الفقر وحي «الفجالة» الشعبي، وقبله من الإسكندرية، المرحلة التي تتجنب الحديث عنها. ويروي أحد أصدقاء العائلة، أنها نامت لياليها الأولى في حديقة أحد القصور. وعندما اكتشف حارس الحديقة أمرها، أشفق عليها وأعطاها قليلاً من المال يكفي للنزول إلى القاهرة في القطار، وتمضية بعض الليالي في أحد فنادقها الرخيصة. ومن هناك دفعتها الحياة من التشرد إلى المجد.
انقلب حظ اليتيمة المشردة عندما عثرت على عزيز عيد، أو عثر عليها. لم يكن هناك فنان أفضل منه يقوم على تدريبها: «كان فناناً من رأسه إلى أخمص قدميه» كما ستصفه لاحقاً. وصرف عيد الكثير من الوقت في تدريبها على الإلقاء وتأدية الأدوار، وبدأت شهرتها تتسع في مصر عندما أعطاها عام 1916 دوراً رئيسياً في مسرحيات «الفودفيل» الاستعراضية المترجمة عن الفرنسية مثل معظم مسرحيات ذلك الوقت.
لكن الآن نحن في 1925 في المقهى القريب من عماد الدين، حي المسارح والملاهي والفنون، ولن تعود إلى أدوار مثل «ما تمشيش كده». الذي انتُقد لحريته – أو حريتها – المتمادية.
لم تكن تعرف الكثير عن الصحافة، لكنها كانت تدرك الكثير عن النجاح. ذهبت روز اليوسف منذ البداية إلى أصحاب الأسماء الكبرى تطلب المساهمة في المجلة الجديدة: إبراهيم عبد القادر المازني، وعباس محمود العقاد، ومحمد التابعي. وإلى هؤلاء ظهرت بضع قصائد لأحمد رامي، الذي كان آنذاك يدرس الفارسية في باريس. إنها حقاً، كما أرادت، مجلة تبعث الإعجاب والاحترام.
إلى اللقاء...