من شيخان

من شيخان

المغرب اليوم -

من شيخان

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

في التقاليد الفرنسية، يجلس رئيس الوزراء إلى يمين رئيس الجمهورية في اجتماعات الحكومة الأسبوعية. لكن الجنرال ديغول غيّر التقليد وأجلس إلى يمينه وزير الثقافة أندريه مالرو. وعندما فاتحه مدير التشريفات في الأمر، قال له: ليس مالرو من يجلس إلى يميني، بل أنا من يجلس إلى يساره.
وزارة الثقافة في فرنسا عنوان من عناوين سيادتها. لا يمكن أن تعطيها لوزير لا يعرف - مثلاً - من كم جزء تتألف رواية «البحث عن الوقت الضائع» لمارسيل بروست. أو لماذا ألغي الشاعران كورناي وراسين من برنامج البكالوريا. أما إذا كان وزير الخارجية لا يعرف من كان يحمل حقيبته في أولى حكومات ديغول، فالمسألة غير مهمة.
لم يسلم إيمانويل ماكرون حقيبة مالرو إلى امرأة فحسب، بل إلى امرأة مولودة في لبنان.
قبل أن تكون ريما عبد الملك وزيرة ماكرون، كانت مستشارته لشؤون الثقافة. وترى فرنسا أن الثقافة، وليس السياسة، هي ضمانة استمراريتها في العالم. ولذلك أنشأت منظمة الفرانكوفونية، التي ترأسها ذات مرحلة الدكتور بطرس غالي. ومن بين جميع المقار الأممية، اكتفت بأن يكون مقر الأونيسكو لديها.
قبل الوزارة عملت ريما عبد الملك ملحقة ثقافية في القنصلية الفرنسية العامة في نيويورك، أي في أهم مجمع ثقافي في العالم، مندوبة لأحد أهم البلدان واللغات. والمنصب، هنا أيضاً، ليس أدبياً أو شرفياً، بل هو رسمي تقني، ليس مسموحاً فيه الخطأ الصغير أو الخطأ الكبير. امرأة لها اسم أجنبي وتمثل فرنسا تحت أهم مجهر ثقافي، إذن، الكفاءة هنا هي الأصل وليس رغبة فرنسا بوجود وجوه «أجنبية» في حكوماتها، مثل المغربية رشيدة داتي وزيرة العدل في عهد نيكولا ساركوزي.
أما في وطن ريما الأول، فقد فازت المرأة بثمانية مقاعد نيابية، معظمهن أيضاً من حملة أعلى الشهادات العلمية وبينهن سيدة محجبة، وجميعهن من الطبقة المتوسطة، التي صنعت في الماضي، لبنان العلمي والثقافي. وتتحول اليوم إلى طبقة مهددة بالمجاعة، فيما تتهدد الطبقة الرأسمالية بالفقر. لم يعد «وصول» المرأة حدثاً في بلدان العالم. ونراها في أوروبا رئيسة وزراء، ووزيرة خارجية أو دفاع، وفي أميركا نائبة للرئيس. ولكن يظل حدثاً أن تصبح سيدة قادمة من الخارج أمينة على الثقافة في بلد يُعتبر أنه الأغنى في الآداب والفنون في العالم.
كم في هذا الموقف من التهيب والتحدي. أن تقف سيدة من لبنان (أو من فرنسا، أو من أي بلد آخر في العالم) أمام نفسها وأمام الآخرين، وتقول: أنا الوزيرة المؤتمنة على أربعة قرون، من فيكتور هيغو، وبلزاك، وفولتير، وبودلير، وكوليت، وفلوبير، وستندال، وديكارت، وسارتر، وكامو، وأعضاء الأكاديمية وسكان «مجمع الخالدين». وأنا من قرية في لبنان اسمها شيخان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من شيخان من شيخان



GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 07:09 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

مستحضرات تجميل تساعدك في تكبير شفتيك خلال دقائق

GMT 03:29 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

ديكورات ثلاجات يُمكن أن تستوحي منها إطلالة مطبخك

GMT 01:08 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عطيات الصادق توضح كيفية التعامل مع أهل الزوج

GMT 00:10 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

التشكيلي رشيد بنعبد الله يحتفي بالفرس في معرض فردي

GMT 07:30 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مصممة تضفي لمسة جمالية على منزل قديم في إنجلترا

GMT 05:49 2018 الإثنين ,18 حزيران / يونيو

تعرفي على أحدث تصاميم "الحنة البيضاء"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib