سمير عطاالله
من الآن وإلى زمن طويل سوف يطرح سؤال واحد يلقى ألف جواب ليس بينها مقنع واحد: من المسؤول عن اللامسؤولية في أفغانستان؟ الجميع الآن يعيد ترتيب الوقائع واليوميات من أجل تحديد المسؤولية الأخلاقية: ألم يكن في إمكان أميركا تجنب الفوضى البشرية، من الأمثولات السابقة؟ ألم تتوقع، هي وأدواتها وأحلافها وحلفاؤها وعملاؤها ومحللوها، مشاهد الفرار، وخصوصاً انهيار الآلة الحكومية التي نظمتها ووثقت بها، فإذا بالأصدقاء أول المستسلمين كالمعتاد؟
مصادرنا في أكثرها أميركية أو غربية. وصحف أميركا الكبرى هي التي تقول إن الانهيار كان واضحاً منذ اللحظة التي أعلن فيها جو بايدن في 14 أبريل (نيسان) الماضي أنه سوف يلتزم العهد الذي حدده دونالد ترمب بسحب القوات الأميركية في أول مايو (أيار) التالي. بدأت طالبان بالتحرك على الفور. اتصلت بقادة الولايات الذين بدأوا الاستسلام، الواحد بعد الآخر، الولاية بعد الأخرى.
صحافيون، ولا أدري لماذا يتوقع صحافي أن تكون كابل هي السقوط التالي، ولا تبدي الدولة الأميركية خوفها من حدوث ذلك. ولماذا لم تحاول الطائرات الأميركية تأخير ذلك الزحف المعلن، على الأقل من أجل حماية من هي مسؤولة عنهم مباشرة من الأفغان الذين عملوا معها؟
هل تدري ما هو المفجع في المسألة حقاً؟ إن مسؤولية الإهمال تقع على دول كبرى، كما تقع مسؤولية نكث العقود والعهود على حركة لم يشتهر عنها مرة، أنها اعطت أي قيمة لأي قانون متعارف عليه في الحرب أو في السلم. ولذا كان من الأسهل على الإدارة الأميركية أن تمضي في قرارها، متكلة على أن العالم لا ينتظر من طالبان سوى ما سوف تقدم عليه، فيما يتحول المسار إلى صالحها في شكل شبه نهائي.
النداءات والاستغاثات والمرجعيات القانونية لا تنفع كثيراً في مثل هذا الشطط الإنساني المتبادل. دائماً استناداً إلى سوابق الفريقين أمام هذه التجارب الكبرى، أو بالأحرى، جميع أفرقاء الحروب المتشابهة، ما بين دولة كبرى فقدت قدراتها في التفوق، وحركة تتربص بها للانقضاض على هذا الضعف في لحظة الضياع والسقوط.
تحولت الحركة المحدودة السلاح والوسائل إلى جيش قوي، مع كل عملية استسلام. مع كل استسلام كانت تغنم العربات والسلاح وتسيطر على المزيد من الطرقات، وتقطع عن القوات الحكومية الذخيرة والوقود والمؤن والرواتب.
إضافة إلى الغنائم، كانت طالبان تتلقى المساعدة من عدة دول. وقد انضم إليها نحو 20 ألف متطوع من باكستان، إضافة إلى القرويين الذين انضموا إلى الجهة الرابحة كالمعتاد. ولجأت طالبان إلى أساليب غير جديدة إطلاقاً: الترغيب والترهيب. واستغلت الفساد الضارب في القوات الحكومية وموظفيها المدنيين، ومعهما انهيار المعنويات، والأخير، كما قلنا سابقاً، أقوى الأسلحة، لدى أي فريق.
حتى في التخطيط الاستراتيجي، تفوقت طالبان على الخصم الكبير وحلفائه، خصوصاً بعد فرار قادتهم. والغريب أن المشهد كان قابلاً للتصديق بتفاصيله وفصوله. وبعد سنوات من الهدوء عاد البركان الأفغاني إلى التحرك.