بقلم: سمير عطاالله
تتشابه مراحل العمر مثل تشابه الفصول في الدهر. بضع علامات فارقة، وكل الأحياء سواء. والأشياء سواء أيضاً، والعصور تلد العصور ثم تنساها في الزمان. ويصارع الإنسان بكل قدراته كي يبقى شيء منه، فيترك للآتين بعده، علامة تذكِّرهم به. كتابة على جدار. هرم ينتظر فيه موعد العودة إلى الحياة. أعمدة قلعة بناها كي تحميه من أهل القلاع الأخرى.
أتابع الدكتور زاهي حوّاس في كتاباته المثيرة عن مصر، والآن عن الغوص في تاريخ السعودية القديم، لكي أمتّع النفس «بالجديد» فيها. كيف يشبه إنسان اليوم إنسان الأمس. والمفارقة التي تعرفت إلى عالم الآثار الشهير ليس في مصر، وإنما في أحد المراكز التجارية في مدينة واشنطن. كان أحد المحال يملأ واجهته الزجاجية بصور حواس يعتمر القبعة (الكاوبوي) التي اشتهر بها في العالم تحت اسم «إنديانا جونز». ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع الباحث بلا تعب في أغوار التاريخ.
فلم تسحر مصر الفرعونية حواس وحده. وحتى اليوم كلما دق معول في أرض مصر كشف عن شاهد آخر على التاريخ. ثمة جانب آخر لم أكن أعرف عنه من ذلك التاريخ. إنه الآثار الأدبية التي تولتها بعناية وافتتان الدكتورة ميرفت عبد الناصر.
ولكي تعرف مدى التشابه في الناس وفي العصر وفي مراحل الأعمار اقرأ ماذا نقلت الطبيبة المصرية عن «حكيم سقارة» «بتاع حوتب» عن الشيخوخة، التي سماها ديغول غرقاً دائماً. ويقول الرئيس الفرنسي الآخر جيسكار ديستان، إنه أفاق ذات يوم ووقف أمام المرآة، فلم يرَ سوى تجاعيد وإنسان لا يعرفه.
حوتب، أكثر بلاغة ودرامية في وصف المشهد، كما نقلته الدكتورة ميرفت عبد الناصر: «ظهرت التجاعيد من حولي، وأصابني الكبر. وأصبحت كثير النسيان أنفي يجاهد أنفاسي، في تنسم الهواء، وعظامي لا تكف عن إبلاغي، بأن الألم يسكن في قيامي وقعودي، أما أنت يا صغيري، فأنا أرى فيك عكازي، خذ بيدي، وخذ أيضاً مكاني، واعطني أذنك لأحكي لك الذكريات وحاول أن تستمع إليّ. فالجاهل الحقيقي من يجهل نعمة الإصغاء، ولا يعرف أهمية الكلام، هؤلاء يموتون وهم أحياء، وأنا يا بني أريد لك المعرفة، فهي روح الحياة، وصناعة الكلام أصعب من أي حرفة أخرى. احترس منها ومن الأيام، وإن أصبحت عظيماً، لا تنسَ حالك في زمن فات. وعندما تصبح رجلاً اجعل العقل مرشدك، وابحث لنفسك عن بيت صغير، وزوجة تحبها من قلبك، املأ قلبها بالفرح، لكي تكون لك حديقة ورد».