شاعرة الضفة اليسرى

شاعرة الضفة اليسرى

المغرب اليوم -

شاعرة الضفة اليسرى

سمير عطاالله
سمير عطاالله

«الضفة اليسرى» أشهر اسم جغرافي في دنيا الأدب. إنها تعني الضفة اليسرى من نهر السين، وبالتحديد مساحة صغيرة منه، تضم الحي اللاتيني، ومنطقة جامعة السوربون، والمعاهد القديمة، و«مجمع الخالدين» (البانتيون)، والمكتبات ومقاهي الأدباء.

وأشهر حي في الضفة اليسرى هو بولفار السان جرمان دو بريه، أو السان جرمان من دون الحاجة للاسم الكامل. وعلى هذا البولفار وفي الشوارع الصغيرة المحيطة به، قام عدد كبير من المقاهي، يرتادها الطلاب والزوار والسكان. وأشهر هذه المقاهي، اثنان: «فلور» و«الدوماغو».

وقد ذاعت شهرتهما خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية. فقد أصبح من رواد «الدوماغو» كبار فلاسفة مفكري وكتّاب فرنسا: جان بول سارتر، ألبير كامو، جاك كوكتو، إلخ... ذات مرة ظهرت في المقهى شابة ذات عينين سوداوين عميقتين وشعر أسود فاحم. من هي؟ ماذا جاءت تفعل؟ قدمت نفسها على أنها المغنية جولييت غريكو.

لا تغني الآنسة غريكو الأغاني العادية. فإذا كان سارتر وكوكتو يكتبان في الفلسفة الوجودية، فإنها، الآنسة غريكو، تغنّي القصائد الوجودية أيضاً، وتغنّي الشعر الجميل والمقاطع الملعونة من أبيات جاك بريفير، الذي سوف يترك تأثيراً واضحاً على قصائد نزار قباني وسربه من تلك المرحلة.

غابت جولييت غريكو قبل أيام عن 93 عاماً. ليست كمغنية ذات صوت ساحر، بل كمنشدة للقصائد والشعر والحياة. كانت آخر وجه في صورة باريس الوجودية وتمرد السان جرمان على فرنسا القديمة. ولم يكن وجودها غنائياً فقط، بل كان جزءاً من حداثة الحي والغزارة الفنية التي فاضت على المدينة ونتاجها الشعري والفكري. ولم يرقص الباريسيون لأغاني غريكو بقدر ما بكوا وحملوا أحزانها معهم إلى الحدائق وشوارع باريس المشردة والمثقلة بالتائهين القادمين إليها من أنحاء العالم، بحثاً عن سعادة ضائعة أو قصة حب أو مكان صعب في مدينة الشهرة والألق.
وُلدت نجمة الغناء الفرنسي لأب لا يريدها، وأم رفضت أن تمنحها لحظة عاطفة حتى وفاتها. وعندما كانت لا تزال طفلة تركتها أمها مع والديها وسافرت إلى الهند الصينية (فيتنام لاحقاً). وفي مثل هذه النشأة المحزنة اختارت حياة البوهيمية ولجأت إلى اليسار السياسي، وسُميت «حورية الوجوديين». وظلت غريكو تغنّي على المسارح إلى أن بلغت 89 عاماً من العمر. آنذاك قامت بآخر جولة غنائية تحت عنوان «شكراً»، ثم توقفت معلنةً أنها بعد اليوم سوف تثير الشفقة بعد أعوام من إثارة الإعجاب.

يبقى هل تأثر نزار حقاً بشعر جاك بريفير، الذي غنّته غريكو، كما غنت نجاة الصغيرة وماجدة نزار؟ واضح أن قصيدة «مع جريدة» تشبه إلى حد بعيد «غذاء الصباح» لبريفير. لكنّ النقاد تحاملوا على نزار بلا حدود، طالبين الشهرة من نقده كالعادة. وما نفى نزار مرة تأثره بشعر سواه. وكان يعدّدهم بافتخار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاعرة الضفة اليسرى شاعرة الضفة اليسرى



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 19:02 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

مبابي في قلب حرب باردة داخل المنتخب الفرنسي

GMT 19:59 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

ميسي يعود للملاعب بعد غياب شهرين للإصابة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib