بقلم : سمير عطا الله
وصفه علماء القطب وخبراؤه بأنه «أعظم مستكشف قطبي في زماننا». وذلك بعد أن قام السير والتر وليم هيربرت (1934 – 2007) بأول وأطول رحلة على الأقدام إلى القطب الشمالي. وقد أمضى هيربرت 50 عاماً من عمره يعمل في القطب، منها 15 عاماً في العالم القطبي المظلم. وقطع بالمراكب المفتوحة والعربات التي تجرها الكلاب 23 ألف ميل، وأصدر عدة كتب مزينة بالرسوم التي وضعها بنفسه، وقد كان رساماً موهوباً منذ سنوات الطفولة التي أمضاها في مصر.
بين 1968 و1969 ترأس هيربرت البعثة البريطانية إلى القطب عابرين 3500 ميل من آلاسكا إلى سبيترغن. واستغرق منهم اجتياز منطقة الجليد المتحرك الخطرة والدقيقة من ساحل آلاسكا شهراً كاملاً، ولكن ما أن تحسنت ظروف السطح الجليدي وأقبل الربيع الدافئ حتى تحسن معدل المسافة اليومية التي كانوا يجتازونها ليتخطى الـ24 كيلومتراً يومياً. ومن ثم، أتى الصيف وأقبل معه ذوبان الجليد، ما أبطأ مسار الفريق لكثرة بحيرات المياه المفتوحة، ما أدى بهم إلى التخييم مؤقتاً طيلة فصل الصيف على مسطح جليدي كبير بعد أن كانوا قد اجتازوا 1.900 كلم. وفي الرابع من سبتمبر (أيلول) بعد أن عادت درجات الحرارة المنخفضة لتثلج المياه من جديد، استأنف الفريق رحلته، متوقعاً أن يستمر حتى يمنعه ظلام الخريف من التقدم في تلك السنة، ولكن لم يمر ثمانية أيام، ولم يجتز الفريق أكثر من عشرة كيلومترات، حتى حطمت انتكاسة صحية مخطط اجتياز 386 كلم في نهاية الشتاء، فعضو الفريق الذي يحمل اسم جيل أصيب بشللٍ سببه على الأرجح انزلاقٌ غضروفي في إحدى فقرات ظهره، ولم يعد قادراً على المشي، فاضطر الفريق إلى التخلي عن مساره الخريفي ومراوحة مكانه طيلة فصل الشتاء، على أمل أن يَشفى ظهره بفعل الراحة. وجلبت لهم إحدى الإسقاطات المخططة مسبقاً عبر حاملة الطائرات كل ما يحتاجونه من مؤونة وإمدادات طازجة ليستمروا في مخيمهم الشتوي المسبق. واحتمل الرجال الأربعة خمسة أشهر وسبعة أيام من دون رؤية الشمس، في ظل درجات حرارة لامست الـ30 درجة مئوية تحت الصفر، في كوخٍ من 4.6 متر مربع، اضطروا في أثنائها أيضاً أن يغيروا مكان تخييمهم بسبب تشقق الجليد الذي كانوا قد تمركزوا عليه.
وأخيراً، بعد أن تعافى ظهر جيل في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) وصل الفريق إلى القطب الشمالي في السادس من أبريل (نيسان) من عام 1969، بعد أسابيع من المجهود الشاق. ووصف هيربرت لحظة وصوله قائلاً: «كان القطب الشمالي بقعة بعيدة المنال، حيث تلتقي مجموعتان مختلفتان من خطوط الطول وتدل كل الاتجاهات جنوباً، فكانت محاولتنا الوصول إليها مثل محاولة الدوس على خيال طير يسير فوق رؤوسنا، كون السطح الذي كنا نمشي عليه، كان بنفسه سطحاً متحركاً على كوكبٍ يدور حول محول مكانه تحت أقدامنا».
وفي التاسع والعشرين من مايو (أيار) أنهى فريق هيربرت مسار اجتياز المحيط القطبي الشمالي البطولي بعد 16 شهراً، حين حط جيل وهيدجز على جزيرة Little Blackboard Island. وبعد بضعة أسابيع فقط أصبح رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ أول إنسان في التاريخ يحط على كوكب آخر. القمر.