الباب المعاكس للتاريخ

الباب المعاكس للتاريخ

المغرب اليوم -

الباب المعاكس للتاريخ

سمير عطاالله
بقلم : سمير عطاالله

لن يطولَ الفراق كثيراً بين السودانيين وأخبار المشير. سوف يكون هناك كل يومٍ خبرٌ جديد يعيدُ الرجل إلى زمن الأخبار اليومية السعيدة طوال ثلث قرن. لكنّ الفارق أن الأخبار الحالية، أخبارُ ملفاتٍ وإضبارات واتهامات تبدأ بالفساد المالي وتنتهي بالجرائم التي ارتكبها نظامه دون أي تردُدٍ في حقِ الناس باستثناء مؤامرة ضد مصر من هنا وضد السعودية من هناك، تنحصر ارتكابات المشير في علاقته بشعبه. وهذه ليست خاصيّته وحده وإنما هو تقليدٌ من تقاليد بعض الأنظمة العربية التي رأت في شعوبها مجرّد قطعانٍ تساقُ يوماً إلى السجون ودوماً إلى الفقر.

ولا شك أن البشير رجل محظوظ كما توضح سيرته. من دلائل الحظ ما استطاع أن يجمعه عبر السنين من أموالٍ وثروات. وانتصاره في دارفور بواسطة فرسان الجنجويد. والحظ لا يفارقه الآن، فالإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية توفّر له الحد الأقصى من الموضوعية وأصول المحاكمات وعدم التعرّض للضغط وحسن المعاملة في السجن، أي بعكس كل ما ترك خلفه من ظلمٍ وعجرفة وغطرسة وعصا يلوّح بها في الهواء.

إن إحالة المشير إلى المحكمة الدولية نوع من الترقية والحرص على العدالة خلافاً لمهازل محاكم عربية عبر العقود، والتي كانت غالباً من النوع العرفي الذي يبدأ بالإعدام قبل أن ينتهي. وقد رويت غير مرة ما أخبرني به ضابطٌ عربي من أنه كان مكلفاً بوضع نصوص المحاكمات بعد تنفيذ أحكام الإعدام. ويبدو أنه رأى في ذلك نوعاً من الأدب الممتع، لأنه كان يضع تلك النصوص وهو جالس في المقهى. لذلك لا أفهم إطلاقاً لماذا الخوف من العدالة الدولية. بل ربّما انتهت محاكمة البشير إلى أن تصبح نموذجاً نقلّده في محاكمنا بقدر الإمكان ولو من حيث الشكل.

طبعاً المذل في الأمر هو الإحالة بحد نفسها ومن ثم المحاكمة وأخيراً الحكم. لكنّ الرجل يضمن على الأقل أن لا وجود لحكمٍ بالإعدام. ويوفّر على السودانيين أن يثيروا داخل بلدهم تلك الجراح القديمة التي لم تُنسَ بعد. كثيرون إن لم يكن الجميع لا يريدون استعادة تلك الصفحات المؤلمة. ولا التفكير في السنوات التي أضاعها المشير على شعبه في مسيرات التقدّم والتنمية والقضاء على الفقر والتخلّف. فليتأمل في سجنه الدولي المريح ماذا فعل بالبلاد. صحيحٌ أنه ورث نظاماً عسكرياً فاشلاً لكنه لم يحقق نقطة نجاحٍ واحدة تحسب له. للتاريخ أبوابٌ كثيرة ومن المؤسف أن الباب الذي سيدخله عمر البشير هو أول رئيسٍ عربي يمثل أمام العدالة الدولية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الباب المعاكس للتاريخ الباب المعاكس للتاريخ



GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 07:09 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

مستحضرات تجميل تساعدك في تكبير شفتيك خلال دقائق

GMT 03:29 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

ديكورات ثلاجات يُمكن أن تستوحي منها إطلالة مطبخك

GMT 01:08 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عطيات الصادق توضح كيفية التعامل مع أهل الزوج

GMT 00:10 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

التشكيلي رشيد بنعبد الله يحتفي بالفرس في معرض فردي

GMT 07:30 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مصممة تضفي لمسة جمالية على منزل قديم في إنجلترا

GMT 05:49 2018 الإثنين ,18 حزيران / يونيو

تعرفي على أحدث تصاميم "الحنة البيضاء"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib