براً وبحراً والجسر بينهما

براً وبحراً والجسر بينهما

المغرب اليوم -

براً وبحراً والجسر بينهما

سمير عطاالله
بقلم: سمير عطاالله

ذكرنا، أمس، أن الدول الخليجية الثلاث التي قام الأمير محمد بن سلمان بزيارتها في المرحلة الأولى من جولته، ترتبط جميعها بحدود برية وبحرية واحدة، وبروابط تاريخية وثقافية جامعة، فهل هناك ما يُضاف إلى هذا الواقع الطبيعي؟ أجل، هناك أن تُضيف إلى الروابط القائمة ربطاً آخر هو الجسر الذي يرفع نسبة التبادل بين البلدين، ويرفع نسبة الشراكة الاستراتيجية في جميع حقولها وآفاقها، من المنحى الاقتصادي والثقافي إلى لُزوميات الأمن والمصير.

كان «جسر الملك فهد» علامة فريدة في العلاقات العربية. ففيما كانت دول كثيرة في المشرق والمغرب، تتبادل المخاوف من الحدود، وتعمل على غلقها أو قطع العلاقات أو تبادل العقوبات، كانت العلاقة بين الرياض والمنامة، تسابقاً دائماً نحو المزيد من ثمار الجوار وحسن الجوار. وقد برزت أهمية هذه العلاقة التاريخية في محنة الجزيرة الجميلة قبل أعوام عندما عبرت قوات المملكة الجسر من أجل أن تحمي جارتها التاريخية من الافتراء والاعتداء.

بدت جولة ولي العهد في ديار الخليج وكأنها عرض لأهميات الوحدة بين أهل الجوار، فيما تضطرب وتشتعل وأحياناً تتخلخل أواصر الوحدة الوطنية الداخلية في دول كثيرة أخرى. ومن أبرز نتائج هذه السياسة الحكيمة، الازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به المجموعة الخليجية، في جميع الحقول وعلى جميع الصُعد، خصوصاً الصعيد الاقتصادي الذي يوفر للجميع استقراراً معيشياً ممتازاً، بينما ينعكس تفكك الدول الأخرى مآسي حياتية وتنموية على شعوبها.

كان الخليج قبل خمسين عاماً نموذجاً للخلافات والنزاعات وصراعات الحدود، وبالتالي لحياة تعاني من التخلف والعَوَز وسوء الإدارة. إنه اليوم النموذج المعاكس تماماً. وإذ تحتفل دولة الإمارات بالعام الخمسين لتأسيسها، ترى أنها قطعت مسافة لا حدود لها في التطور والتنمية. وبعدما كانت تبدو نموذجاً لدول تائهة في الصحراء، لا علامة فيها لأي انتماء إلى العصر، ها هي اليوم تتقدم أي مجموعة أخرى في العالم، من حيث معالم العمران والتعليم وسائر حقول الحياة.
شيئان لا يمكن إخفاؤهما: الغنى والفقر. أو العمار والدمار. أو الخراب واليباب. أو سعادة الشعوب وشقاؤها، أو مدى الانتماء إلى عالم الكفاية ومدى الغرق والتكلس وعالم العَوَز. وربما يتساءل اليوم خطباء الثورة في صَلالة ماذا كان حدث لو أن الثورة نجحت حقاً، وأي مستوى معيشي سوف تكون عليه الحال اليوم في هذا البلد المزدهر والمتَنَعم بالأمان والهدوء والاستقرار، فيما لا يزال خطباء الحوثيين يوزعون على أهلهم شهادات الجوع والموت، كما يوزعون على جوارهم المُسيّرات والصواريخ المصنّعة في طهران.

كل دولة زارها الأمير محمد بن سلمان رأى فيها معالم سياسية جديدة لم تكن تخطر في بال أحد. عطلة أسبوعية غربية في الإمارات، وكنيسة تُدشَّن في البحرين، ومؤتمر للفلسفة في الرياض، وسلطان قادم من جامعة أكسفورد في عُمان، ومعرض من أهم معارض العالم في دبي، أو معرض دائم للكتب والثقافة في الشارقة. وفي المقابل عالم آخر يصر على محاربة الطواحين وتبديد الوقت والثروات وتطيير الصواريخ مثل طائرات الورق في أيدي الأطفال. والمؤسف أن الفارق سوف يكبر ويتضخم يوماً بعد آخر. وسوف يستدعي العمران والازدهار المزيد من الاثنين، بينما تزداد ثقافة الخطب والتحريض والكره والتهديد والغضب، ازدهاراً هي أيضاً. وكل لا تخبز رغيفاً واحداً. وبدل هدر المزيد من كل شيء، الأجدر بفريق «الثورة» أن يسأل قدامى صَلالة عن الفارق بين صناعة الحياة وصناعة الموت.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

براً وبحراً والجسر بينهما براً وبحراً والجسر بينهما



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:44 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

ملك البحرين يتلقى برقية من رئيس جمهورية الفلبين

GMT 21:14 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 19:13 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل فتاة على يد شخص أربعيني في مدينة أغادير

GMT 05:50 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

كيندال جينر تتألق بفستان جذاب باللون الأبيض

GMT 08:06 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

"ليستر " تكشف عن أسرع سيارة للدفع الرباعي

GMT 12:11 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

مقتل عبد الله صالح على يد الحوثيين يشعل الغضب في اليمن

GMT 14:52 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء تألق عالميًا قبل مجيء بودريقة

GMT 00:32 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور مجدي حمدان يقدم 3 خطوات أساسية لتغيير الذات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib