بقلم : سمير عطا الله
لها طلة ليست لغيرها في عالم الترهيب، ولها صورة ما كانت لعربة سواها في عالم الرعب. يسبقها خرطومها المتحرك في كل الاتجاهات وصوت جنازيرها يفتت من تحته الأرض، ومن خصائصها أنها تقصف المدنيين مثل العسكرين، وتستخدم في الحرب والسلم، وقد جعلناها في «بلاد العرب أوطاني» شريكة البلاغ الأول، تطوق الإذاعة لكي يبث بالمهابة المستحقة، ثم يبدل سائقها من أجل البلاغ الثاني، ويبقى خرطومها موجهاً إلى الأعداء.
أكثر ما يعبر (شعرا) عن أم الجنازير هذه، قول سحيم بن وثيل (بن أعيقر، بن أبي عمرو، بن إهاب، بن حميري، بن رياح، بن يربوع، بن حنظلة، بن مالك، ابن عمرو، بن تميم، بن مر، ابن أدين بن طابخة بن إلياس بن مضر). طيب الله ذكره وذكر أسلافه، وخصوصاً بن حميري وبن يربوع، قوله، رحمه الله، عندما تحداه شابان بالطريقة القذافية: من أنت، «أنا ابن جلا وطلاع الثنايا/ متى أضع العمامة تعرفوني». إذن، هو ابن جلا. وهي أم الجنازير.
تذهب في أثر شعبها أو شعوب الآخرين، مجلجلة مهددة حتى إذا استفزت أدارت «برجها» وهوت به على البيوت التي على الجانبين أو على الأهداف الأمامية أو استدار البرج 180 درجة وقصف. ولسبب لا يعرفه إلا أهل الشرق والمشرق والمعسكر الشرقي، لا أحد يعرف لماذا يفضل العسكريون الشرقيون استخدام الدبابات. ربما مصروفها من الوقود. ربما هيبتها. ربما أسماء أنسابها المثيرة للاحترام: الفرقة التاسعة. الرتل العاشر. الكتيبة المدرعة السابعة عشرة. أسماء أسماء، لها وقع وأثر. بن حميري. ابن يربوع وطابخة. وابن جلا طلاع الثنايا.
أطول مشهد للمدرعات كان في «ربيع براغ» 1968 عندما دخلت المدينة، بكامل مشاعر الأخوة 5000 دبابة سوفياتية. شعر الناس بالطمأنينة وهتفوا لمبادرة الكرملين الشقيق. ولا يزالون. وقبل أيام عاد الرتل الحنون إلى مدن أوكرانيا حيث انقسم المستقبلون إلى قسمين: الملايين الذين فروا بكل الوسائل الممكنة، والذين بقوا يقارعون الدبابة بالقنابل المصنوعة منزلياً، مثل الوجبة الشهيرة «البورشت» البيض في لبنان خطأ «البروشت» البيض نصف مسلوق.
دبابات كثيرة ووجبات قليلة. دائماً يتخذ الفريق المهاجم احتياطاته كافة، أهمها الوقود. أما الخبز و«الباسكا» فهذه بلادهما. ومن حقوق الشقيق في الحروب الأخوية مصادرة الأفران والمطاحن وإهراءات القمح، كتلك سجلت في ميناء بيروت ثالث أقوى انفجار غير نووي في تاريخ البشرية. وفي بيروت التحقيق جارٍ. دائماً يجري ولا ينتهي مثل شراع شوقي «يا شراعاً وراء دجلة يجري». عبثاً يناشد أمير الشعراء: قف تمهل!...
حلت في فبراير (شباط) الماضي وفي آذار (مارس) الحالي، ذكرى أول بلاغ أول، وأول دبابة بعثية في العراق وسوريا. الاحتفالات لا تزال قائمة. وكذلك الوحدة والحرية والاشتراكية.