التجارب الإنسانية مصادر إلهام للثوار العراقيين

التجارب الإنسانية مصادر إلهام للثوار العراقيين

المغرب اليوم -

التجارب الإنسانية مصادر إلهام للثوار العراقيين

د.ماجد السامرائي
بقلم: د.ماجد السامرائي

ما يحدث الآن في العراق هو أكثر من دمار حرب عالمية أو قنبلة نووية وثقته وأعلنته التقارير المحلية والدولية المتواصلة، وكشفت عنه ثورة شبابه السلمية.

هناك نظريتان بعيدتان عن العقائد والأدلجة الدينية واجهتا وتواجهان البشرية، الأولى ذات أبعاد تاريخية واقعية، والثانية افتراضية والهدف هو الإصرار على تحدي الدمار المادي المتحقق بفعل الحروب والنزاعات أو مواجهة احتمالات الدمار النووي.

الحقائق التاريخية الواقعية التي امتدت في سنوات الحربين العالميتين، أوائل وأواسط القرن الماضي، أحدثت نيرانها الفتاكة خسائر بالملايين من البشر إضافة إلى التدمير والخسائر المادية الهائلة، كان المثال الأكثر تعبيراً ما واجهه الشعب الياباني الذي دمرت مدينته هيروشيما القنبلة النووية الأميركية. لكن هذا الشعب الحي استعاد الحياة حيث حوّل الرماد النووي المرعب إلى طاقة بشرية هائلة في العمل والابتكار ليس لإعادة الإعمار، وإنما بإحداث قفزات متتالية بعقول شبابية حديثة متطورة استندت إلى قيم الإصرار على العمل وتحدي الصعاب، معززين ببطولات الساموراي التاريخية. وخلال سنوات قليلة وصلوا إلى الحلقات العليا في التكنولوجيا الحديثة خدموا من خلالها بلدهم والبشرية جمعاء.

المثال الثاني حصل لدى الشعب الألماني الذي سحق بمعاونة عالمية نزعات التعالي الشوفيني لهتلر وفكرته النازية التدميرية للأجناس العنصرية والدينية الرافضة لهيمنته وشوه القيم الإنسانية للألمان، ومع نهاية الحرب الثانية انطلق الشعب الألماني مواصلاً مسيرته في التقدم والتنمية بعد نجاح “مشروع مارشال” (جورج مارشال وزير خارجية الولايات المتحدة)، رغم انقسامه السياسي إلى شطرين غربي وشرقي بفعل نتائج الحرب، لتصبح ألمانيا بعد سقوط جدار برلين بلداً مثيراً للدهشة ومتربعاً على قمة الهرم الاقتصادي الأوروبي والعالمي.

النظرية الثانية متشبثة بسبل الحفاظ على البشرية وإبعاد المخاوف الافتراضية لما يمكن أن تؤول إليه الأزمات العالمية في الاقتصاد والتجارة والبيئة، حيث تختزن الولايات المتحدة الكثير من الخطط الإنذارية في مراكزها للتقنيات عالية الحساسية، إلى جانب اهتمام روسي بحدود ضيقة. على أساس مخاوف العلماء والدوائر الخاصة في الأمن القومي من احتمالات الحرب النووية المستقبلية المدمرة لأجزاء كبيرة من الكرة الأرضية ومن بينها الولايات المتحدة.

الغرض من طرح هذه الفكرة تدعيم فكرة أن الشعوب قادرة على تحويل الدمار الشامل إلى قفزة ثورية لتأمين سبل الحياة بعد الدمار، عبر مضاعفة فعاليات الإنسان في العمل والإنتاج إلى أعلى مداها، إذا ما وفرت لها الدولة، وهي صاحبة العقد الاجتماعي مع الشعب، وسائل النهضة المطلوبة والتطور المدني وإنهاء جميع عناصر وأدوات التخلف وتوظيف النظرية الديمقراطية كواحدة من المعايير السليمة للعلاقة ما بين الدولة والمجتمع.

هذه المقدمة تتطابق واقعياً مع ما يمرّ به العراقيون الآن، حيث يمر بلدهم للأسف بحالة تعطيل مفاعيل الحياة، متدحرجاً نحو هاوية الموت بسبب الحريق والتدمير الشامل الذي قادته ونفذته ضده القوى الطامعة فيه وتمثلت بدولتي الاحتلال، أميركا وإيران، وبتنفيذ متطرف من قبل القوى الإسلامية الشيعية المرتبطة عقائديا وأمنيا بطهران، والتي لا تبريرات مقنعة لتنفيذها مشروع التدمير الإنساني والتنموي وتعطيل الحياة سوى ذلك الارتباط الهادف إلى إبقاء العراق بحالة مهينة لا تختلف عن بلد أصيب بقنبلة نووية مقابل نهب المال.

منذ وصول ثورة الخميني إلى الحكم عام 1979 لم يترك النظام الإيراني الجديد فرصة للتحرش العسكري والعدوان إلا وقام بها في مسلسل استفزازي تحت مبررات مذهبية دفعت صدام حسين إلى التورط بحرب تدميرية استمرت ثماني سنوات بررها بسحق مشروع تصدير الثورة الإيرانية، ومنعه من التنفيذ في العراق أولاً ثم في الخليج ثانياً. وكان هدف الخميني من خلالها بسط نفوذه عبر جيشه ووكلائه المعتمدين بالداخل، وإقامة نظام ولاية الفقيه في بغداد. وحين عجز عن ذلك وتجرع “كأس السم” بوقف الحرب استكمل مشواره خليفته، خامنئي، عبر صفقة التاريخ مع الولايات المتحدة عام 2003.

ادعت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كذبا وتبريرا، بعد طوفان تدمير العراق بأنها لم تستهدف قتل العراقيين وتعطيل عجلة الحياة عندهم، بل استجابت قبل العام 2003 لنداءات عراقيين معارضين لحكم صدام حسين شيعة ادعوا المظلومية فسلمت الحكم لهم ومعهم الأكراد، لكن جميع تلك الإدارات الأميركية حتى عام 2011 تاريخ انتهاء الاحتلال للعراق كانت أدواتها السياسية والاستخبارية داخل العراق تراقب مسلسل القتل الجماعي للعراقيين من قبل الميليشيات التابعة لإيران بعناوينها المتعددة ولم توقفهم، كما لم تعطل عمليات النهب المنظم للثروة المالية العراقية التي قدرت بنصف تريليون دولار، إلى درجة أن أصبحت تلك الإدارات في نظر شعب العراق الشريك الفعلي لإيران في تدميره، وما دعواتهم الحالية إلى معاداة واشنطن سوى لذر الرماد في العيون، إلا إذا استفاقت الولايات المتحدة واستعجلت دعم العراقيين للخلاص مما هم فيه.

وحين قادت الولايات المتحدة مشروعا لإعادة بناء العراق مما خلفته الحروب تعثر منذ الأيام الأولى للاحتلال، فنهبت الأموال وعقدت الصفقات ما بين المتعاقدين الأميركان لبعض المشاريع وبين المقاولين المحليين، وكان أغلبهم من سياسيي الخط الثاني الشيعة حيث نهبوا الأموال التي كانت تتدفق من صندوق التنمية العراقي بواشنطن، كما فشلت دعوات الإعمار بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش وما خلفه من دمار هائل للمحافظات العربية السنية قدرت تكلفة إعادة إعمارها بـ88 مليار دولار، بسبب مخاوف الداعمين من ذهاب الأموال إلى جيوب السراق، في حين بلغت مداخيل العراق من النفط عام 2018، 7.83 مليار دولار وهي أكثر من هذا الرقم للعام 2019.

ما يحدث الآن في العراق هو أكثر من دمار حرب عالمية أو قنبلة نووية وثقته وأعلنته التقارير المحلية والدولية المتواصلة، وكشفت عنه ثورة شبابه السلمية منذ الأول من أكتوبر 2019 التي لا تنحصر أهدافها في مجيء رئيس حكومة بمواصفات تتلاءم مع متطلبات التغيير، وليس فقط انكشاف المعادلة الحقيقية والصراع التاريخي بين مشروعي الموت والحياة على أرض العراق، وإنما الدخول في المعركة الحقيقية بين قوتي الشعب المتطلع إلى المستقبل وإنقاذ العراق من الموت، وقوى التخلف والتبعية المطلقة لإيران صاحبة مشروع الموت في هذا البلد.

لهذا لا بد أن تنتصر إرادة الحياة على الموت والدمار في العراق، ولا شك أن نموذجي الشعبين الياباني والألماني، وبعدهما مثال انتصار نيلسون مانديلا في قيادته لشعوب جنوب أفريقيا ضد العنصرية والكراهية، أدلة تاريخية على مثل هذا الانتصار المنتظر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجارب الإنسانية مصادر إلهام للثوار العراقيين التجارب الإنسانية مصادر إلهام للثوار العراقيين



GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 10:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران
المغرب اليوم - شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 11:20 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
المغرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا

GMT 02:57 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

3 مشروبات شائعة تُساهم في إطالة العمر

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أبرز الأماكن السياحية في مصر

GMT 17:04 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ديوكوفيتش يقترب من سامبراس ويحلم بإنجاز فيدرر

GMT 12:56 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الوداد ربح لقبا للتاريخ !!

GMT 22:00 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

إسماعيل الجامعي رئيسا جديدا للمغرب الفاسي

GMT 02:18 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نجمات هوليوود تحتضن صيحة "الليغنغز" الملون

GMT 11:50 2019 السبت ,23 آذار/ مارس

"عُسر البلع" مؤشر للإصابة بالشلل الرعاش

GMT 23:25 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

وفاة مشجعيْن رجاويين في حادث سير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib