علاوي آخر فصل لحكم الميليشيات في العراق

علاوي.. آخر فصل لحكم الميليشيات في العراق

المغرب اليوم -

علاوي آخر فصل لحكم الميليشيات في العراق

د.ماجد السامرائي
بقلم: د.ماجد السامرائي

ثورة الشباب في العراق تعيش فصلا متجذرا في حياة الناس ويصعب على ميليشيات ربطت مصيرها بالخارج أن تنتصر. وقد يكون حكمها الحالي بواسطة محمد علاوي آخر فصول حكمها.
سياسيون غير عراقيين ممن ساعدوا وهيئوا مناخ اختيار محمد توفيق علاوي للحكم نصحوه قبل ركوبه قارب السلطة إن تمكن من ذلك، بسيناريو اعتقدوا أنه متقن بعض صفحاته الأولية تقول له: أطلب من المتظاهرين الاستمرار في احتجاجاتهم، للإيحاء لهم بأنك معهم وستلبي مطالبهم، واترك باقي القصة لنا نحن نتدبرها ليتم تنصيبك على كرسي رئاسة الوزراء، والرجل بطبعه ناعم ومسالم وغير عنيد، وفيّ في دواخله للإسلام السياسي الشيعي ولم يتمكن من الخروج عنه حتى وإن تعاطى بلغة تبدو ليبرالية اكتسبها من معاشرته الطويلة للنظام الغربي .
هذا السبب هو واحد من أسباب أخرى كثيرة منعته من التعرّف على الجذور الحقيقية للأزمة القائمة بين الشعب العراقي والحكم، وقبوله تحدي مغامرة استلام منصب رئاسة الوزراء والدخول وسط لهيب النار في انحياز لرغبات الطبقة السياسية المستعدة لتقديم تنازلات شكلية لا تلغي مصالحها الاستراتيجية وتبعد استحقاقات الثورة عن الواقع السياسي العراقي.
محمد علاوي يحاول التمويه على حقيقة ما أفرزته انتفاضة أكتوبر من واقع جديد ورسمها لخط عميق بين ضفتين. الضفة الأولى ضفة العراقيين المتمسكين بثوابت “نريد وطنا”، مقابل ضفة الطبقة السياسية الحاكمة وأدوات القتل التي تديرها إيران، حيث أحيت هذه الانتفاضة مفهوم المواطنة والهوية العراقية التي اعتقد زعماء العهد الميليشياوي الجديد أنهم مسحوها من العقل الجمعي في العراق.
الحقائق الجديدة التي أنتجتها ثورة الشباب لم يكتشفها محمد علاوي، أو هو محكوم بالابتعاد عنها وعن متطلباتها الأساسية في إزاحة مافيات الفساد الميليشياوية ومحاكمتهم والاقتصاص من قتلة أبناء الانتفاضة أو الثورة
بعد انقضاء أكثر من أربعة أشهر على ثورة الشباب أصبحت ساحة المنازلة بين المنتفضين في العراق، وبين خصومهم من زعماء الميليشيات المسلحة الموالية لإيران واضحة، وكان من مصلحة الثورة انكشاف ورقة خلط الأوراق التي قادها في هذه الأيام مقتدى الصدر في تصديه للمنتفضين عبر أدواته بقمعهم من قبل أصحاب “القبعات الزرقاء” وتعدّيه في خطاباته “الوعظية”، قبل أن يصبح مرجعاً شيعياً، على الشابات العراقيات الثائرات مستثمراً ولايته الثورية التي انتهى رصيدها الشعبي بعد انحيازه لطهران التي دغدغت عواطفه الحالمة بأن نصّبته رئيساً لما سمته “المقاومة الإسلامية العالمية”.
لم تعد أمام الأحزاب التي أصبحت تحت إمرة الميليشيات الإيرانية وتحّكمها، فرص اللعب بشعارات هزيلة انتهى مفعولها مثل محاربة فلول نظام صدام حسين بعد أن قتلت معظمهم وهرب الآخرون إلى مواطن اللجوء، وقننت ونفذت “المادة 4 إرهاب” لاعتقال وتغييب الشباب الذين لم يذعنوا للميليشيات المسلحة خصوصاً من أبناء الطائفة العربية السنية، ثم جعلت من الحرب على تنظيم داعش وما خلفته من كوارث إنسانية فرصة جديدة لملاحقة المواطنين في المحافظات المنكوبة وتنفيذ مشروع التغيير السكاني فيها، وأخيراً التطاول على شباب ثورة أكتوبر بوصفهم بالمندسين وعملاء الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وإهانة المرأة العراقية الثائرة وهي صاحبة المسيرة النضالية التي ساندت أخاها الرجل وضمدت جراحه في ساحات الاعتصام.
الحل الأمني بجميع أشكاله وأدواته لم يقتل إرادة العراقيين رغم كلفته البشرية والمادية التي امتدت على مدى خمسة عشر عاماً، وكانت المفاجأة أمام المتجبّرين الطغاة أن خرجت الثورة من قلب الشارع الشيعي الذي لعبوا على شعاراته، وهذا هو آخر مأزق في عهدهم الذي أصبح قصيرا.
المشكلة لدى زعامات الطبقة السياسية الحاكمة أنها لم تستوعب، أو لا تريد إلى حد اللحظة أن تدرك أن ما يحصل اليوم في العراق هو ثورة على منظومة الحكم، وليست مجرد تحرك ضد رئيس وزراء أو ضد وزراء على خلفيات الكفاءة أو حتى الاستقلالية بمعناها الدارج، بل إن ما يريده شعب العراق في مقدمة مطالبه هو تنحية وإبعاد فوهات البنادق المدفوعة من إيران عن القرار السياسي العراقي .
الحقائق الجديدة التي أنتجتها ثورة الشباب لم يكتشفها محمد علاوي، أو هو محكوم بالابتعاد عنها وعن متطلباتها الأساسية في إزاحة مافيات الفساد الميليشياوية ومحاكمتهم والاقتصاص من قتلة أبناء الانتفاضة أو الثورة، والدخول المباشر في آليات الانتخابات المبكرة بقانون جديد بعد حل البرلمان، وهذه استحقاقات لا تتحمل التسويف والمماطلة.
أسباب أخرى كثيرة منعت محمد علاوي من التعرّف على الجذور الحقيقية للأزمة القائمة بين الشعب العراقي والحكم، وقبوله تحدي مغامرة استلام منصب رئاسة الوزراء والدخول وسط لهيب النار
مجيء محمد علاوي للحكم وخطابه الناعم لن يلغي فعاليات طرفي المعركة التي خلفت دماء عراقية زكية.
فأمام صمود القطب الثوري الشعبي وإصراره على ثوابته، سيستخدم خصم العراقيين المتحصن بسلاحه الفتاك وأغطيته العقائدية الإيرانية آخر ما تبقى لديه من خيار جنوني بالإجهاز على مخيمات المعتصمين وحرقها وتطويق الشباب، تمهيداً لتفريقهم تحت عنوان مزيّف جديد هو أن محمد علاوي يمثل إرادة المحتجين، وقد يوظف أحدهم في كابينته الوزارية لخلق الفتنة بين صفوفهم، وكذلك مباركة مقتدى الصدر ربما تمكنه قوة اللعب بهذا الخيار الخاسر .قد تتمكن البندقية الممسوكة بيد عصابات الميليشيات المسلحة من التغلّب على المنتفضين المحتجين العزّل، وقد تنجح تلك العصابات في مسح ساحات الاعتصام بالنار والدخان، لكن الثورة لن تنطفئ، وستعود قوية أكثر من أيّ وقت مضى، والخشية أن يؤدي هذا المنعطف الانتحاري إلى لجوء الثوار إلى خيار الثورة المسلحة للدفاع عن أنفسهم، وذلك ما سيكون في مصلحة الميليشياويين بعد خسارتهم جميع الأوراق .
إذا كانت أدبيات الثورات الشعبية لا ينحصر عمرها في أسابيع أو أشهر، فإن عهد ثورة الشباب العراقي قد بدأ، والثورة تعيش فصلاً ناضجا ومتجذرا في حياة الناس ومن الصعب على ميليشيات ربطت مصيرها بالخارج أن تنتصر.
وقد يكون فصل حكمها الحالي بواسطة محمد توفيق علاوي هو آخر فصول حكمها في عهد الفاسدين وأمراء الدجل الديني والعمالة لطهران.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علاوي آخر فصل لحكم الميليشيات في العراق علاوي آخر فصل لحكم الميليشيات في العراق



GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة
المغرب اليوم - حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 18:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
المغرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا

GMT 02:57 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

3 مشروبات شائعة تُساهم في إطالة العمر

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أبرز الأماكن السياحية في مصر

GMT 17:04 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ديوكوفيتش يقترب من سامبراس ويحلم بإنجاز فيدرر

GMT 12:56 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الوداد ربح لقبا للتاريخ !!

GMT 22:00 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

إسماعيل الجامعي رئيسا جديدا للمغرب الفاسي

GMT 02:18 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نجمات هوليوود تحتضن صيحة "الليغنغز" الملون

GMT 11:50 2019 السبت ,23 آذار/ مارس

"عُسر البلع" مؤشر للإصابة بالشلل الرعاش

GMT 23:25 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

وفاة مشجعيْن رجاويين في حادث سير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib