هل بدأ العد العكسي لنهاية حكم جونسون في بريطانيا

هل بدأ العد العكسي لنهاية حكم جونسون في بريطانيا؟

المغرب اليوم -

هل بدأ العد العكسي لنهاية حكم جونسون في بريطانيا

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

تشهد بريطانيا هذه الساعات سباقاً محمومعلى تصدر الأخبار بين الأرقام القياسية لإصابات جائحة «كوفيد - 19»، المعزّزة بالمتحور «أوميكرون»، والتكهنات المتزايدة عن قرب نهاية حكم رئيس الحكومة بوريس جونسون.قد تكون هناك علاقة وثيقة بين الموضوعين، لا سيما، أن المفصل، الذي كشف تماماً فقدان جونسون السيطرة على ولاء نواب كتلة حزب المحافظين في مجلس العموم، كان تمرد نحو 100 نائب محافظ على سياسة الحكومة واقتراعهم ضد إجراءاتها المقترحة لاحتواء التفشي السريع للإصابات على أبواب موسم عيدي الميلاد (الكريسماس) ورأس السنة. وللعلم يشكل هذا الموسم مركز ثقل تجاري وسياحي أساسياً في الحياة الاقتصادية للبلاد. وبسبب هذا التمرد المحافظ المدعوم بأصوات من أحزاب صغيرة، منها «الديمقراطيون الأحرار»، اضطر جونسون للاعتماد على تأييد نواب حزب العمال، أكبر قوى المعارضة، لإنقاذ حكومته وكسب التصويت في البرلمان.

تقليدياً، نزف بهذه الخطورة يؤشّر إلى فقدان حزب ما الثقة بقيادته، ولا يتوقف عند وجود خلاف عابر في وجهات النظر. بل إن اضطرار حكومة حزبية للاعتماد على غريمها السياسي الألد من أجل البقاء في الحكم... يفرغ - عملياً ومعنوياً - تفويضها السياسي من مضمونه. ذلك أنه إذا ما كانت تلك الحكومة، المنتخبة على أساس برنامج واضح وشعارات معلنة، قد غدت مدينة لغريمها في بقائها، فهذا يعني أنها طوت صفحة برنامجها... أو صارت عاجزة عن السير به من دون الاضطرار إلى المساومة وتقديم التنازلات.

هذا ما حدث على صعيد التمرّد النيابي على جونسون داخل البرلمان، ولكن خارجه كان الإعلام – بما فيه الإعلام المحافظ – يتابع ما يرشح من «فضائح» حول سلوك رئيس الوزراء وفريق مستشاريه والمحسوبين عليه. وتضخّمت هذه «الفضائح» منذ بدء غزو جائحة «كوفيد - 19»، وفي المواقف المتناقضة والعشوائية التي اتخذها جونسون تحت ضغوط أجنحة متنافسة داخل حزبه. وبالنتيجة، أخذت هذه الأجنحة - وبالأخص،تلك المتضايقة من نفوذ مستشارين بعينهم - تتعامل معه على أنه «مرحلة عابرة» همّها عقد تفاهمات سطحية شعبوية تهتزّ أمام أي التزام جدّي.

وهكذا، تدريجياً، أخذت ترتسم معادلات وتتشكل زمر جديدة تعد العدة لمرحلة ما بعد جونسون. وبين الكتل الجديدة المتشكلة في الكواليس جماعات من أقصى اليمين لعبت دوراً حاسماً في معركة الخروج من أوروبا (البريكست)، وشخصيات لا ترتاح لأسلوب قيادة جونسون العشوائي... ولا تثق بكلامه، بعد جملة من الهفوات والسقطات والوعود. ويضاف إلى هاتين الفئتين «كتل مصالح» جعلت من التشكيك في آراء خبراء الصحة العامة، والتحريض عليهم، سلاحاً يضغط لمنع أي عودة إلى سياسة الإغلاق التي قد تكون وسيلة ضرورية لاحتواء تفشي «كوفيد - 19».
بطبيعة الحال، أجواء انقسام وتشتت كهذه لا تخفى على مواطن قلق على صحته وسلامته من ناحية، وعلى مصدر رزقه من ناحية أخرى. ثم إنه إذا كان الإعلام المحافظ نفسه اضطر من الناحية المهنية لنقل الأخبار - من دون تغيير قناعاته وولاءاته السياسية اليمينية - كان لا بد للحقيقة أن تصل في يوم ما إلى اختبار على المستوى الشعبي.
هذا بالضبط ما حصل، أمس، مع الانتخاب الفرعي في دائرة نورث شروبشاير الريفية الواقعة في أقصى غرب وسط إنجلترا. هذه الدائرة المتاخمة لإقليم ويلز، مثلها مثل معظم الدوائر الريفية الزراعية ذات البيئات التقليدية، تُعد معقلاً انتخابياً لحزب المحافظين. وبالفعل، احتفظ المحافظون بمقعد هذه الدائرة منذ نحو 200 سنة. وكان آخر نوابها في مجلس العموم أوين باترسون، النائب والوزير السابق البارز في حكومة ديفيد كاميرون، الذي باستقالته أخيراً شغر المقعد، فكان لا بد من ملئه بانتخاب فرعي.
الانتخاب الفرعي هذا حمل نكسة فظيعة لجونسون وحزب المحافظين؛ إذ فازت بالمقعد مرشحة حزب الديمقراطيين الأحرار هيلين مورغان، متقدّمة عن منافسها المحافظ بأقل بقليل من 6 آلاف صوت. ويتّضح من هذه التجربة الانتخابية أمران: الأول أن نسبة عالية من الناخبين المحافظين إما حوّلوا أصواتهم إلى مرشحة الديمقراطيين الأحرار أو استنكفوا عن التصويت. والثاني، أن نسبة لا بأس بها من الناخبين العماليين صوتوا «تكتيكياً» لمورغان عندما اكتشفوا أنها تتمتع بفرصة معقولة بالفوز، مع العلم أن مرشح العمال كان قد احتل المركز الثاني خلف باترسون في الانتخابات العامة عام 2019، بينما جاءت مورغان ثالثة بفارق كبير.

هذه النكسة، ربما تكون القشة التي تقصم ظهر البعير، لأنها تثبت عمق الانقسام إزاء نوعية «قيادة» رئيس الحكومة داخل حزبه، ليس على مستوى النواب فحسب، بل على مستوى الشارع المحافظ أيضاً.

وإذا كان لنا تذكّر الحكمة السياسية الشهيرة «المعارضات لا تفوز بالانتخابات، بل الحكومات هي التي تخسرها»، يتبين لنا جديّة التحدي الذي يواجهه بوريس جونسون الآن. ولعل ما يزيد من جدية هذا التحدي، تضافر تأثيري جائحة «كوفيد - 19» (ولا سيما المتحور «أوميكرون») مع الأزمة الاقتصادية والخدماتية الناجمة عنها. ثم هناك التغيّر في المناخ السياسي العام في بريطانيا، حيث أخذت استطلاعات الرأي تشير بوضوح إلى تحسّن فرص حزب العمال الانتخابية. وكان أحدث استطلاع للرأي قد أعطى العمال نسبة تأييد تربو على 40 في المائة مقابل 30 في المائة للمحافظين.

العمال، تحت قيادتهم «المعتدلة» الجديدة برئاسة السير كير ستارمر، باتوا في نظر كثر من المراقبين بديلاً معقولاً... لا يُخشى من شططه، بخلاف حاله إبّان قيادة جيريمي كوربن الراديكالية. وهذا الواقع قد يستحق مراجعة أشمل وأعمق، ويمكن معها الاستعانة بالنموذجين الألماني والفرنسي.

في ألمانيا، لم يرَ أحد في أولاف شولتز «زعيماً تاريخياً» استثنائياً، لكن تحت قيادته المعتدلة، نجح اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي في استعادة ثقة الشارع والعودة إلى الحكم، على رأس حكومة ائتلافية واسعة التمثيل. وفي فرنسا، وسط مزايدة غلاة اليمين بعضهم على بعض، وإصرار اليسار على السير في خيار راديكالي، استعاد اليمين المعتدل زمام المبادرة وراهن على فاليري بيكريس لرفع لوائه في الانتخابات الرئاسية خلال أبريل (نيسان) المقبل. واليوم، تبدو حظوظ بيكريس جيدة في بلوغ الجولة الثانية الحاسمة، وفيها قد يُفتح الباب على مصراعيه على التغيير في قصر الإليزيه. وهكذا، قد يلحق قريباً إيمانويل ماكرون، وربما بوريس جونسون أيضاً، بأنجيلا ميركل... خارج قصور الحكم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل بدأ العد العكسي لنهاية حكم جونسون في بريطانيا هل بدأ العد العكسي لنهاية حكم جونسون في بريطانيا



GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:21 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم
المغرب اليوم - إطلالات عصرية وجذابة للنجمات بصحية الدنيم

GMT 19:04 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
المغرب اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 05:59 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

GMT 08:13 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

أبرز الأبراج التي تعشق التحكّم في الآخرين

GMT 07:09 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

سيارات لندن..!

GMT 00:40 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سخان ماء يتسبب في وفاة سيدة متزوجة في تاوريرت

GMT 18:58 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

إقلاع طائرة تحمل أول صاروخ فضائي في بريطانيا

GMT 00:12 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مطالب أوروبية بتأجيل تقنية "صندوق الرمال" من "غوغل"

GMT 18:52 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البابا يعزل أسقفًا "تستر" على اعتداء جنسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib