المتحوّر «أوميكرون» يفرض على العالم إعادة رسم أولوياته

المتحوّر «أوميكرون» يفرض على العالم إعادة رسم أولوياته

المغرب اليوم -

المتحوّر «أوميكرون» يفرض على العالم إعادة رسم أولوياته

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

حتى الأسبوع الماضي كان معظم البريطانيين يضعون اللمسات الأخيرة على احتفالهم بالميلاد ورأس السنة، بينما اندلعت في شوارع مدن أوروبية - في طليعتها مدينة روتردام الهولندية - صدامات مع الشرطة ومظاهرات احتجاجية ضد جهود الحكومات الأوروبية لضبط التجمعات وفرض الإجراءات الوقائية خلال هذه الفترة.
خطان كانا يسيران بالتوازي في أوروبا حتى مطلع الأسبوع الماضي، هما: بدء ما يعتبرها البعض «الموجة الخامسة» من جائحة (كوفيد - 19)، وحالة الاستقطاب السياسي المستعصي بين الجهود المبذولة لاحتواء تفشي الجائحة عبر إجراءات تقييدية... ورفض تشكيلة من الجماعات أي إجراء، بل وإصرارها على مقاومة التلقيح. وواقع الحال، أن مواقف الحكومات، أو قل معظم الحكومات، نابع من مسؤوليتها: أولاً إزاء السلامة العامة للمواطنين، وثانياً حيال حماية منظوماتها ومؤسساتها الصحية التي ترزح تحت ثقل الجائحة، وثالثاً لجهة احتواء التبعات الاقتصادية المدمرة على المدى البعيد.
في المقابل، ما زالت جماعات متطرفة وعنصرية وفوضوية تنشط في العديد من الدول الأوروبية الغربية. وهذه الجماعات تضم ليس فقط أولئك الذين يؤمنون بـ«نظريات المؤامرة»، بل منها مَن يعتبرون أن الدولة «دخيلة أصلاً على حياة المواطن»، ودأبها السيطرة عليه وتكبيله وقمع حريته.
ولقد امتدت هذه الظاهرة من الولايات المتحدة إبان عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي دعمته واستقوَت به جماعات اليمين المتطرف، إلى البرازيل حيث يحكم «ابنه الروحي» جاير بولسونارو، ومن ثم، إلى أوروبا الغربية. وكما هو معروف، كان المنبر الموجه والراعي والمروج لهذا الغلو المنظم قناة «فوكس نيوز» التلفزيونية الأميركية.
وحقاً، عندما بدأت المظاهرات تسير في مدن كباريس ولندن وبرلين وغيرها، كان أبرز مكوناتها المنظمة قوى اليمين المتطرف (بما فيها حزب «البديل لألمانيا» الألماني وحزب الحرية النمساوي وغلاة اليمينين الفرنسي والهولندي) يضاف إليها الفوضويون الراديكاليون. وأمثال هؤلاء كانوا، وما زالوا، السبب المباشر في تدني نسب تلقي اللقاح في دول كالنمسا وسويسرا وألمانيا، حيث تقل نسبة الملقحين عن 68 في المائة... رغم توافره، بعكس حال الدول الفقيرة التي تكافح عبثاً من أجل الحصول عليه.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن نسبة لا بأس بحجمها من الأوروبيين والأميركيين تقاوم حملات التلقيح رغم توافره -:بل أن بعض الإعلاميين والرياضيين والمشاهير ارتضوا بفسخ عقودهم مع مؤسساتهم لأنها أرادت إلزامهم بأخذ اللقاح - فإن نسبة 97 في المائة من سكان العديد من دول أفريقيا تعذر تلقيحهم. وحتى اليوم لا تستطيع دول هؤلاء الحصول على ما تحتاجه، لأن التزامات الشركات الصانعة بالإمداد لا تسير على النحو الأمثل. 
هذا الوضع المأساوي لا يجوز أن يفاجئ أحداً، لا سيما، أن علماء الأوبئة وكبار مسؤولي منظمة الصحة العالمية حذروا مراراً وتكراراً من أن التأخر في إنجاز الحد الأدنى من المناعية المجتمعية على مستوى العالم بأسره سيعني السماح لفيروس (كوفيد - 19) بمواصلة التحور، الذي هو في صميم طبيعة الفيروسات. ومن ثم، فإن سياسة «إغلاق الحدود الوطنية» في وجه جائحة مثل (كوفيد - 19) ستظل سياسة عبثية لأن التحور سيستمر في أماكن أخرى، ثم يعود لاختراق هذه الحدود بعد تطوير طفرات جديدة لا تقوى اللقاحات الحالية على مواجهاتها جميعاً.
هذا بالضبط ما حصل، عام 2019 منذ اكتشاف الحالات الأولى في مدينة ووهان الصينية؛ إذ سرعان ما بدأت بالظهور تحورات وطفرات جديدة في أماكن مختلفة من العالم، كان آخرها حتى الأيام الأخيرة المتحور «دلتا». واليوم، يشكل «دلتا» السواد الأعظم من الحالات في بريطانيا ومعظم دول أوروبا الغربية.
هذا ما كان عليه وضع الجائحة حتى الأسبوع الماضي، أي قبل اكتشاف متحور جديد في دول أفريقيا الجنوبية بات يُعرف بـ«أوميكرون» – والكلمة مثل «ألفا» (متحور كنت البريطاني) و«دلتا» – حرف في اللغة اليونانية.
«أوميكرون» صدم المجتمعات لعدة أسباب في طليعتها:
1 - أنه لم يتسن بعد التأكد من سرعة انتشاره وكشفه.
2 - الشك في أن اللقاحات المتوافرة حالياً قادرة على التعامل معه والوقاية منه.
3 - على الصعيد الاقتصادي، أن المتحور الجديد تسلل إلى أوروبا الغربية – بدءاً من بلجيكا - في عز موسم الأعياد والإجازات والتسوق.
بالنسبة للسبب الأول، فإن منظمة الصحة العالمية وصفت المتحور «أوميكرون» (أو B.1.1.529) بأنه «متحور يثير القلق» واضعة إياه في مصاف «دلتا» السريع الانتشار عبر العالم. وبينما قال غير مصدر، منهم وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد، بأنه قد يكون «الأسوأ» بين كل المتحورات، أفادت البروفسورة شارون بيكوك الأستاذة والباحثة في جامعة كمبريدج بأنه «لم يتضح بعد، وسط تفشي الإصابات في جنوب أفريقيا، ما إذا كان السبب الأساسي تطوراً واحداً أو أكثر أسهم في التفشي السريع، أم أن الفيروس ذاته سريع الانتقال. لكن الفارق الآن (مع تفشي «ألفا» قبل سنة) هو أن لدينا لقاحات وأننا جمعنا أيضاً خبرة جيدة بسلوك الفيروسات.
وحول السبب الثاني، أي اللقاحات، خففت الشكوك القلقة، بالأمس، بشائر ظهرت مع إعلان أبرز 3 شركات صانعة للقاحات، بيونتك - فايزر ومودرنا وأسترازينيكا، أنها تتوقع طرح لقاحات مضادة للمتحور الجديد في غضون 100 يوم.
أخيراً، بما يخص الاقتصاد، فإن هذا كان دائماً في صميم تفكير الحكومات والأحزاب السياسية. وحتماً، كان الجميع يوازن بين أولويتين مهمتين جداً هما إنقاذ حياة الناس وحماية الاقتصاد من الانهيارات، وبالأخص، إبان فترات الإغلاق الطويلة.
التقارير الصحافية في الكثير من الدول الغربية الكبرى، على رأسها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، تشير إلى اتجاه عام لخفض الإنفاق. وكانت أرقام الفترة نفسها من عام 2020 قد دلت بوضوح على أن جائحة (كوفيد - 19) فرضت - على امتداد العالم - تراجعاً في نيات الشراء إبان فترة إجازة الميلاد ورأس السنة. ويتوقع استمرار هذه الظاهرة هذا العام أيضاً، مع إضافة عامل آخر يلحِق أضراراً بالغة بالمتاجر التي تقوم عقاراتها في مناطق الوسط التجاري في المدن، وهو يتمثل بتزايد التوجه نحو الشراء «أونلاين». ولا شك أن لهذا الواقع تبعاته الاقتصادية والعقارية والاجتماعية... ومن ثم السياسية.
وهكذا، أمام الحكومات الغربية اليوم حسابات توازن معقدة وصعبة، تزداد تعقيداً بوجود ناخب غاضب وخائف ومتشكك. وهذا هو المناخ المناسب تماماً لتنامي الحركات الشعبوية والمغامرة التي تلعب على العواطف... وتختطف قلق الناس بشعارات تبسيطية وتحريضية وتهرب بها إلى الأمام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتحوّر «أوميكرون» يفرض على العالم إعادة رسم أولوياته المتحوّر «أوميكرون» يفرض على العالم إعادة رسم أولوياته



GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

GMT 21:25 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفعل السياسي الأكثر إثارة

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 04:35 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأمريكية

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:54 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل
المغرب اليوم - حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل

GMT 10:33 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أستراليا تحظر السوشيال ميديا لمن دون 16 عاماً
المغرب اليوم - أستراليا تحظر السوشيال ميديا لمن دون 16 عاماً

GMT 17:36 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

مجموعة للعناية بالشعر وتقويته

GMT 12:24 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أولمبيك آسفي يخطط لضم 4 لاعبين في الميركاتو

GMT 17:23 2016 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

مشوار المنتخب السعودي في تصفيات كأس العالم 2018

GMT 02:35 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

عفاف شعيب سيدة شعبية في مسلسل "فوق السحاب"

GMT 19:13 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

Jacob & Co"" تطرح مجموعة جديدة من المجوهرات الفاخرة

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

موقع الواجهة البحرية في "رامسغيت" يتحول إلى إبداع فني

GMT 10:01 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

آخر الاتجاهات المميزة في عالم الموضة لعام 2018

GMT 05:26 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أبرز أسباب انتشار قشرة الشعر خلال موسم الشتاء

GMT 15:25 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف لاعب كرة إكوادوري أربعة مواسم بسبب المنشطات

GMT 11:31 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الاسباني فيليبي السادس يستعد لزيارة المملكة المغربية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib