بقلم : د جبريل العبيدي
الظهور المفاجئ لزوجتين وابنة لزعيم «داعش» الهالك البغدادي والتحدث للإعلام، أمر يعكس أنَّ التنظيم المتهالك لا يزال بعض أفراده يحلمون ويحاولون التسلل لافتعال أحداث وكتابة التاريخ بشكل مزور، رغم أنَّ الشهود لا يزالون أحياء.
فأرملتا البغدادي اللتان ظهرتا في حديث متلفز تحدثتا بصيغة على أنَّهما ضحيتان، علماً بأنَّ واقع حالهما أنَّهما كانتا من ضمن التنظيم وتشاركان زوجهما البغدادي في الاتصال والتواصل ومتابعة شؤون التنظيم، إذ لفتتا إلى ارتباط إحداهما بعلاقة مع العدناني خليفة البغدادي، التي رفضت الحديث عنها خشية أن يتأذى أولادها منها، كما جاء في حديثها المتلفز.
زوجة البغدادي أسماء قالت إنَّ عناصر «الحسبة» يفتقدون إلى أبسط المعلومات الفقهية والشرعية، وإنَّ جلَّ همّهم هو الاستحواذ على النساء تحت عناوين مختلفة «جهاد النكاح» أو «السبايا»، وهم يجهلون أبسط قواعد الفقه الإسلامي حتى في العبادات، شهادة من امرأة ليست كباقي نساء «داعش»، بل هي تعدّ السيدة الأولى في «دولة» التنظيم الشرس، وهي تعدّ زوجة فاعلة لزعيم التنظيم.
وعن «شجاعة» زعيم «داعش» الزائفة، قالت ابنته أميمة إن والدها لم يخرج من منزله إلا نادراً، مما يعكس حالة الرعب والخوف التي كان يعيشها، لا حالة الجهاد والاستشهاد والتضحية، كما كان يسوّق عبر أبواقه الإعلامية للسفهاء وحديثي السّن الذين شكَّلوا معظمَ جنده من الحمقى والمغرر بهم، فقد كان البغدادي يحرص على حياته ويخاف عليها حتى وسط أهله وبين أبنائه، وهذه شهادة من أهله له تصفه بالجبن والاختباء والتخوف من القتل والطيران المسيّر، وليس كما يشاع عنه في صورة «المجاهد» الزاهد، بل كان جباناً رعديداً يعيش وسط «السبايا» الذي جمع منهن العشرات مع زوجاته، ووسط من يسمون جند «الخلافة».
وتحدَّثت ابنته عن هوس البغدادي بالنساء؛ إذ قالت: «والدي كانت له زوجة محددة في الليل، أمَّا في النهار فكان مع الكل وكان يعاشر زوجاته بالقرعة، وكنت أسحب له الأسماء ولم أسحب اسم أمي في القرعة أبداً»، فقد كان للبغدادي 4 زوجات و15 محظيّة، مما يؤكد أنَّ «داعش» دولة الهوس بالنساء؛ لا «دولة إسلامية»، كما كان يزعم البغدادي وأنصاره، ورغم محاولة زوجات وأرامل البغدادي التنكر لجرائمه خشية المسؤولية والشراكة في الجرائم، وهذا كما شهد شهود عن زوجته أسماء، فإنَّها ورغم محاولة لبسها ثوب البراءة من «داعش» إلا أنَّ اعترافاتها وشهادة الشهود من النساء الإيزيديات أثبتتا أنَّ التنظيم الشرس في ظاهره ما هو إلا عصابة من المرضى المتعطشين للقتل وللدماء والجنس، رجالاً ونساء، جمعتهم «دولة» البغدادي.
التنظيم الشَّرس الذي صنعه البغدادي مع رهط من السفهاء وحديثي السن، بدعم من قوى دولية ومخابرات أجنبية، كان دستوره منبعه كتاب إدارة التَّوحش، الكتاب الذي اتخذه البغدادي منهجاً لإدارة دولة الرعب، فالتنظيم خطط لأن يترك أخلافاً له بعد أن أدرك نهايته الوشيكة كمشروع «دولة».
«دولة» داعش سقطت وتهالكت، لكن الخطر اليوم هو من أخلاف «داعش»، وهم ليسوا فقط من تركهم من أطفال ونساء وبضع رجال جبناء، بل الخوف من الفكر المتطرف الذي لا يزال لم يعالج بفكر مضاد، أو وجود أي خطة بديلة لتحديث المناهج والخطاب الديني في بعض الأماكن، ممَّا يجعل من عودة «داعش» ممكنة إذا وجد مجدداً من يحمل فكره ويقاتل من أجله.
فأخلاف «داعش» البشر لا يقلون أهمية عن فكره، وبخاصة أنَّ التنظيم مارس الاستغلال للأطفال والنساء كانتحاريين، بعد تجنيدهم في صفوفه، ولا ننسى أنَّ جماعات الإسلام السياسي أسهمت في تمدد «داعش»، وعملت على استغلال وجوده وتمكينه وزرعه جيوباً عسكرية حليفة تحقق بها أهدافاً مشتركة في مناطق توتر كثيرة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، حيث مدته بالسلاح والمال والتغاضي عن وجود عناصره، بل عملت جماعات الإسلام السياسي على تهريب المقاتلين والمرتزقة لصفوف التنظيم، وحتى تزويدهم بجوازات سفر مزورة، وجميعها تسميات متعددة لحصان طروادة الإخواني للوصول إلى السلطة.
اعترافات أرامل وبنات البغدادي كشفت عن أزمة إنسانية وأخلاقية وفكرية في منبتها، وافتقارها لمعالجة طرق التفكير، التي تسببت في إنتاج منهج خاطئ، فـ«داعش» مُنح القدسية للتفسير والتأويل وابتعد عن النص المقدس (القرآن)، مما تسبب في انحراف كبير وخطير، مما أنتج فكراً ضالاً ومضللاً سيبقى التخلص منه يحتاج إلى مشروع توعية إسلامية وجهد كبيرين.