ليبيا وبنزين الحكومة

ليبيا وبنزين الحكومة

المغرب اليوم -

ليبيا وبنزين الحكومة

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

الحديث بلغة واحدة قد لا يكون سبباً للتفاهم، فمثلاً «الأميركان والإنجليز شعبان تفصل بينهما لغة واحدة» في إشارة لاختلافهما رغم حديثهما بلغة واحدة، وحتى هذه اللغة الواحدة يعتريها خلاف كبير بينهما... هذا المثل ينطبق على الشعب الليبي والحكومة على أنهما «شعبان» تفصل بينهما لغة واحدة، فحديث رئيس الحكومة الليبية المنتهية الولاية والمقالة من البرلمان عن رفع الدعم عن الوقود خاصة البنزين، وسخريته من الليبيين بقوله إنهم يأكلون «ببلاش»، ولا يدفعون ثمن الإنارة ولا الماء، ويعملون ساعة واحدة في اليوم... هذا يؤكد استخفافه بهم، مما أحدث موجة من الغضب في الشارع على تصريحات الرئيس غير المنتخب والمقال من السلطة التشريعية الوحيدة المنتخبة في البلاد، ولم يمتثل لقرار الإقالة ويسلم السلطة للحكومة المكلفة من البرلمان صاحب الحق الأصيل في تكليف ومنح وسحب الثقة من الحكومة، ولكن ماذا تقول للتدخل الخارجي العابث حتى بصحيح الديمقراطية في ليبيا!

الحكومة المقالة والمتمسكة بالسلطة أهدرت أموالاً طائلة دون خجل أو تقشف على مصروفات لا قيمة لها تحت بنود السيارات الفارهة والمصفحة والهواتف والقرطاسية المكتبية والضيافة في ديوان الحكومة والوزارات، في حين عدّت قوت المواطن والوقود هو سبب إهدار المال، في قراءة اقتصادية خاطئة ومخجلة، فبدلاً من أن تخفض الحكومة مصاريف دواوينها وتوقف نهب المال العام الموثق بتقارير من ديوان المحاسبة والرقابة الليبي، تحاملت على قوت المواطنين من مرتبات زهيدة ودعم للمحروقات تريد إلغاءه، مما يؤكد أن الحكومة تعيش في عالم خيالي بعيداً عن أوجاع ومعاناة المواطنين الليبيين الذين لا يزال غبار الحرب والنزوح والتهجير على ملابسهم.

الحكومة المقالة والممسكة بالسلطة في طرابلس لا تخجل من أن سعر رغيف الخبز في عهدها تجاوز عشرة أضعاف ثمنه، وفشلت في توفير الكتاب المدرسي وعلاج مرضى الكلى والأورام، بل عجزت عن توفير تطعيمات وأمصال الأطفال التي كانت ليبيا قبل فبراير (شباط) تشتريها وتوفرها لأطفال أفريقيا وليس ليبيا فقط.

أزمة البنزين أو رفع الدعم عن المحروقات التي يريد السيد رئيس الحكومة المقال صناعتها ويسخر من معارضيه الليبيين هي لا تعني مجرد رفع سعر بنزين سيارة لا يمتلكها جميع الليبيين، بل هي سترفع تكلفة النقل وخاصة البضائع والمواد الغذائية خاصة، وبالتالي مصاريف جائرة على كاهل المرتبات الزهيدة في ليبيا والتي لا تتجاوز 300 دولار في أحسن أحوالها لعموم الليبيين، ولا حديث عن المسؤولين؛ فهم الخزائن مفتوحة لهم بلا حساب للغرف منها بالدولار واليورو وليس حتى الدينار الليبي، وبنزين سياراتهم سواء رفع الدعم أو بقي هو على حساب الخزينة الليبية في الحالتين، ولا عزاء للمواطن الليبي المغلوب على أمره.

معضلة التمديد للسلطات الحاكمة في ليبيا هي سبب استمرار حالة الفوضى وإهدار المال العام في ليبيا، فالتمديد دون الرجوع للشعب بالاستفتاء، يعد خطيئة كبرى، وانتكاسة للديمقراطية الوليدة، وعبثاً بالتخويل الممنوح للمؤتمر، حين انتخبه الشعب، فالتمديد أشبه بحالة توريث؛ لأنه لا يستند إلى نص دستوري يجيز له ذلك، ولهذا هناك حالة استقطاب شديدة تجتاح الشارع الليبي رافضة للتمديد، وأخرى صامتة، وبقية مع التمديد، وبدأ الاصطفاف والاستقطاب.

هذا العبث الحكومي بمصير الشعب، بل والتطاول بالسخرية منه من دون رادع، سببه تعثر التجربة الديمقراطية الليبية لحداثة عهدها، مما قد يكون سبباً مقنعاً لممارسة بعض النخب السياسية للمراهقة السياسية، وسعيها وهرولتها في اتجاه ينتهي بسلب الإرادة الوطنية ورهنها للبنك الدولي بعد إفلاس الخزينة الليبية من خلال إهدار المال العام ونهبه.

إهدار المال العام في ليبيا سيتسبب في إفراغ الخزينة العامة في ظل اقتصاد ريعي لا يمكنه مواجهة فراغ الخزينة، وسيكون كارثياً على عموم الشعب الذي يعيش على مرتبات حكومية في عمومه، وليس هناك أي اقتصاد صناعي أو زراعي يُذكر، مجرد تجارة دوارة لا تدار بشكل اقتصادي احترافي يستغل موقع ليبيا الجغرافي بين شمال المتوسط المقابل لأوروبا وجنوب ليبيا المقابل لساحل الصحراء الكبرى في أفريقيا، مما يجعل منها أهم موقع للتبادل التجاري بين أفريقيا وأوروبا لم يستغل حتى الآن.

تخبط الحكومة المقالة في طرابلس ليس آخره أزمة البنزين التي ستكون الشرارة التي قد تشعل ليبيا وتحرقها، بسبب غباء حكومي يظنّها مناورة سياسية، في حين أنَّ واقعها حالة معيشية متردية للمواطن الليبي الذي تطفو بلاده على أكبر بحيرة نفط في أفريقيا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وبنزين الحكومة ليبيا وبنزين الحكومة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib