ممَّ يخاف المعلمون

ممَّ يخاف المعلمون؟

المغرب اليوم -

ممَّ يخاف المعلمون

إنعام كجه جي
بقلم - إنعام كجه جي

صباح أول من أمس، تعرض مدرّس فرنسي لطعنة قاتلة. مات في التو. وجاء في الأخبار أن القاتل شاب شيشاني كان طالباً. اقتحم المبنى شاهراً في كل يد سكيناً، قتل شخصاً وجرح اثنين آخرين. وخلال ساعات انتقلت فرنسا الرسمية كلها إلى موقع الحادث في أراس. بلدة شمالية صغيرة يعيش سكانها من الزراعة وقد اشتهر أجدادهم بنسج القماش.

في مثل هذه التجمعات الصغيرة، يمكن لحادثة قتل أن تشغل البلدة كلها، خصوصاً إذا كانت الضحية طبيب القرية أو عمدتها. ويتضاعف القلق حين تتوجه السكين إلى صدر معلم المدرسة الثانوية فيها. إن المعلمين جديرون بالاحترام والتبجيل. «كاد المعلّم أن يكون رسولا». فأي زمن هذا الذي ينزع عن أهل العلم هيبتهم؟

صاح القاتل «الله أكبر» وبحث عن معلم التاريخ ونفّذ جريمته. كانت أجهزة وزارة الداخلية كلها مستنفرة لمثل هذا النوع من ردود الفعل منذ انفجار الوضع في غزة. ردة فعل بائسة لأنها استهدفت رجلاً أعزل لا ناقة له في فلسطين المحتلة ولا جمل. إن أسوأ ردات الفعل هي تلك التي تصدر عن جهل وتعصب.

في المقابل، ترتفع اليوم أصوات مثقفين عرب في فرنسا يرفضون أن يتحول نداء «الله أكبر» الذي يرفعه المسلمون خمس مرات كل يوم في صلواتهم، إلى شعار للقتل والطعن وسلب أرواح الأبرياء.

يأتي قتل المعلم في ذكرى اغتيال معلم آخر لسبب طائفي. جريمة مماثلة نفذها طالب شيشاني أيضاً، ذبح فيها أستاذه في الشارع أمام المدرسة. لم يأت القاتل مجرماً من بلده. جاء صغير السن، دون العاشرة. اختلط بالمجتمع الفرنسي ثم انفصل عنه. تلقفته عقول مريضة زرعت فيه سموم الكراهية ونبذ الآخر. تعلم التطرف في ضواحي المدن الكبرى وأحزمة الفقر. أصبح الشاب الجاهل قنبلة موقوتة مهيأة للانفجار عند أي احتكاك.

ستنشر وسائل الإعلام أن القاتل مسلم واسمه محمد. وستنتفخ أوداج الفرنسيين في أقصى اليمين من هول ما يسمعون: ألم نقل لكم؟ ألم نحذركم من خطر الهجرة؟ ألم تفهموا أنهم يريدون تدمير ثقافتنا وتغيير أنماط حياتنا واستباحة نسائنا؟

يبحث العنصري عن حجة تسند مواقفه. ويأتي من أبناء المهاجرين من يهديه هذه الحجة. أما الشرطة التي قبضت على القاتل وباشرت استجوابه فإن عليها أن تبحث عن رأس الخيط. عن جهات تشتغل لتخريب العقول، دافعة الصغار إلى السقوط في الفخاخ.

قبل أيام نزل إلى المكتبات كتاب بعنوان «المعلمون خائفون». المؤلف، جان بيير أوبان، مفتش سابق في وزارة التربية. يروي من خلال تجربته ما لاحظه من تراجع كثير من المربين عن الدور الذي قاموا به، عبر أجيال، لتعليم الناشئة أسس التفكير الحر قبل مناهج الجغرافيا والرياضيات. كانت المدرسة الحكومية في فرنسا هي الراعية الأمينة لمبادئ الجمهورية. فماذا يبقى من الحرية إذا كبّل الخوف المعلمين؟

ينقل الكتاب شهادات لأساتذة يجدون حرجاً في تدريس مفهوم العلمانية. ومديرات مدارس يغضضن الطرف عن أعذار تتقدم بها تلميذة لإعفائها من درس الرياضة البدنية. ومعلمين يترددون في منح طلاب معينين علامات ضعيفة لكي لا يتهموا بالعنصرية والتمييز.

جاء في استطلاع للرأي قامت به مؤسسة «إيفوب» أن معلماً من اثنين يمارس الرقابة الذاتية على ما يتفوه به داخل قاعة الدرس. وليس المعلم وحده من يخشى تعليم طلابه ما يوسّع من مداركهم. هناك طلاب يخافون التعبير عما يشغلهم ويبتلعون ألسنتهم قبل طرح أسئلة الوجود.

يحدث هذا في فرنسا. قبلة حرية الفكر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ممَّ يخاف المعلمون ممَّ يخاف المعلمون



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 17:39 2024 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

إنستغرام تطلق تحسينات كبيرة على قنوات البث

GMT 03:53 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

فئات الرجاء البيضاوي العمرية تعيش وضعية مزرية

GMT 05:47 2019 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الملكية البرلمانية

GMT 05:37 2019 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الفنادق في فيينا ذات القيمة الجيدة

GMT 07:40 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

إلينا سانكو تفوز بلقب "ملكة جمال روسيا" لعام 2019

GMT 04:53 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

مواطن عراقي يُغرّم شرطة المرور في أربيل 30 ألف دينار

GMT 11:35 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

فنانات سرقن أزواج زميلاتهن بعد توقيعهم في "شِبال الحب"

GMT 08:41 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إليك أجمل التصاميم لطاولات غرف المعيشة

GMT 21:41 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

مهرجان وجدة للفيلم يكرم الممثلة المصرية ليلى طاهر

GMT 11:16 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

سعر الريال القطري مقابل دينار اردني الأحد

GMT 04:03 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

دونالد ترامب يُشدّد على عدالة وإنصاف القضاء الأميركي

GMT 16:19 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تطورات الحالة الصحة لـ"الزفزافي" عقب أزمة مفاجئة

GMT 12:34 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

توقيف رجل مسن وهو يغتصب طفلًا في الخلاء في أغادير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib