«الآخر» بوصفه جواب أرسطو
ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت وزارة الصحة اللبنانية تُعلن سقوط 3365 شهيداً و14344 مصاباً منذ بدء العدوان الإسرائيلي "حزب الله" يجبر طائرتين مسيرتين لقوات الاحتلال الإسرائيلي على مغادرة الأجواء اللبنانية أوكرانيا تعلن مسئوليتها عن اغتيال ضابط روسي في شبه جزيرة القرم جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم ببناء بؤر الاستيطانية وفتح محاور جديدة للبقاء أطول في قطاع غزة إرتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,712 أغلبيتهم من الأطفال والنساء منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي فرنسا تستنفر وتمنع العلم الفلسطيني قبل مباراتها مع إسرائيل خشية تكرار أحداث أمستردام حزب الله يُنفذ هجوماً جويًّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضية على مقر قيادة كتيبة راميم في ثكنة هونين شمال مدينة صفد مقتل مستوطنيين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين جراء سقوط صواريخ لحزب الله في نهاريا
أخر الأخبار

«الآخر» بوصفه جواب... أرسطو

المغرب اليوم -

«الآخر» بوصفه جواب أرسطو

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ربّما جاز اختصار كثير من مشكلاتنا، في زمن الهويّات، بعنوان «العلاقة بالآخر». وربّما كانت الإجابة الثقافيّة «الأبكر» عن المسألة ما قدّمه أرسطو. فـ«المعلّم»، الذي وضع «الشِعريّات» (The Poetics) بعد 150 سنة على عصر التراجيديّات الأثينيّة، اندرج موقفه في التقليد المضادّ لأفلاطون الذي طرد الشعراء من جمهوريّته المثال إذ يشيعون رؤية زائفة للواقع، مقترحاً «حذفاً لبكائيّات المشاهير وخطاباتهم في الشفقة».
فأفلاطون لم يؤمن بالفنون التي تمثّل الواقع وتقلّده فلا تكون غير محاكاة (mimesis) وخِدَعاً. أمّا أرسطو فرأى وراء المحاكاة الآخريّةَ، وتمثّل الآخرين. وفي مستهلّ كتابه اعتبر أنّها ما يجعل التمثيل (representation) ممكناً.
لكنْ إذا كان الشعر محاكاة فهذا لا يعني أنّه نسخ للمُحاكَى، إنّما تخييل له في مختبر تجربة أخرى. فالغريزة تلك مزروعة في الكائن منذ طفولته، ما يجعله يتعلّم الكلام والمشي بتقليده الكبار، فإذا كان التعلّم هذا نافعاً ومُبهجاً، فأعمال المحاكاة، كالشعر والرسم والنحت، مدعاة مؤكّدة للسعادة.
والآخريّة لا تنفصل عن مسؤوليّة اجتماعيّة، وتصوّر لترقية اشتغال الدولة. فأفلاطون اعتبر أنّ مواطني الجمهوريّة متى رأوا شخصيّة بطوليّة يائسة أو قانطة أحسّوا بالحزن وبمشاعر سلبيّة مؤذية، أمّا مَن يشاهد مسرحيّات يُقتل فيها آباء وأمّهات، فلسوف تستولي عليه رغبات ثأريّة وضارّة. وعلى العكس كان هَمّ أرسطو أن يبرهن أنّ الشعر والمسرح مُثقِّفان للمجتمع، فيما التراجيديا تحديداً «تقليدٌ لعمل جدّيّ وكامل».
وهو إن وافق على أنّ الشعر والدراما يمكنهما إثارة المشاعر الحادّة، رأى أنّنا لا نحمل هذه المشاعر إلى حياتنا اليوميّة، بل نلجأ، بالتأمّل والإشفاق والخوف، إلى «التنفيس» (catharsis) والتحرّر من كابوس تلك الأحاسيس. وفكرة «التنفيس» هذه هي التي استعادها، بعد قرون، فرويد وزميله جوزيف بروير وطوّراها في المعالجة النفسيّة.
ذاك أنّ الأدب، وفق أرسطو، يوفّر الحيّز الذي نختبر فيه المشاعر القويّة قبل إخراجها من نظامنا ودواخلنا. وهكذا فموت أحدهم على الخشبة أمامنا يردعنا عن القتل أكثر ممّا يحضّنا عليه.
والتنفيس إذ يُشعرنا بالإشفاق على البطل المأسويّ، كما بالخوف من أن ننتهي إلى أوضاع مشابهة، يُدخلنا في عمليّة رَضيّة (traumatic) مؤلمة، إلاّ أنّها صحّيّة، تماماً كشعور المرء بالارتياح بعد بكائه أمام مشهد يعبّئه بمشاعر حادّة.
والحقّ أنّ الوظيفة التثقيفيّة هذه كانت، قبل أرسطو، رياضة وطنيّة للأثينيّين وإجماعاً بين حكّامهم ومحكوميهم. فآنذاك، في القرن السادس قبل الميلاد، كانت السلطات تعطّل المباني الرسميّة والمحاكم لتمكّنَ السكّان من مشاهدة المسرحيّات التي يعقبها نقاش وتداول يشملان 20 ألف مُشاهد. وكان سعي الجمهور معرفيّاً وعلاجيّاً أساساً، فهو كان على بيّنة ممّا سوف يحصل لأنّ التراجيديّات مبنيّة على ما يعرفه الجمهور من قصص قدامى الإغريق وأساطيرهم، حتّى الذين لا يعرفونها يعرّفهم «الكورس» بها في بدايات العرض. وهكذا فهم لا يحضرون عملاً ما كي يتابعوا تسلسل قصّته أو لاكتشاف نهايته، بل للتفكير والتأمّل. وكون الموضوع جدّيّاً، وجب التعامل معه بجدّيّة، فمُنع العنف والقتل على الخشبة، على عكس تمجيدهما في أطوار لاحقة، ولا سيّما الحقبة الرومنطيقيّة.
وأرسطو لم يكن محبّذاً للمبالغة المشهديّة، إذ إنّها تبتذل التراجيديا التي ينبغي أن ينضبط المُمتِع فيها بحبكة الفعل التراجيديّ نفسه. فالفعل يتقدّم على أبطال المسرحيّة، الذين هم، رغم خُطبهم البليغة، ليسوا من يُحدث التنفيس والتأمّل، بل يُحدثهما «ترتيب الأحداث». وتندفع الآخريّة أبعدَ فأبعد في تعريف أرسطو للتراجيديا، وهو الذي كان أوّل دارسيها في هذا العمل الذي يُعدّ باكورة النقد الأدبيّ (الجزء من «الشعريّات» المتعلّق بالكوميديا لم يصلنا). فالتراجيديا لا تقوم بلا بطل مركزيّ يخطئ خطأ يصعب الرجوع عنه، خطأً يرميه في وضع مأسويّ، إنّما يثير التعاطف معه المصحوب بالخوف من أنّنا قد ننتهي إلى مصير مشابه إذا ارتكبنا الخطأ إيّاه. فخوفنا على أنفسنا وإشفاقنا على البطل التراجيديّ ينتميان إلى عمليّة واحدة ينبثق منها حسّ رفيع بالمسؤوليّة وبدور الفعاليّة الإنسانيّة؛ فلئن لم يستطع البطل التراجيديّ أن يستفيد من إدراكه المتأخّر لخطئه (anagnorisis)، والعمل على تصحيحه، فالجمهور المتأمّل يستطيع ذلك. وما دامت الأخطاء تصدر عن أفعال إنسانيّة، فإنّها بأفعال إنسانيّة مغايرة قابلة للعلاج.
وهنا، ودائماً، يطرد المتحوّلُ القابل للتدخّل الإنسانيّ الجوهريَّ والماهويّ. فالتراجيديا غالباً ما تنطوي على معرفة مُباغتة تضرب ما سبق أن بدا يقيناً، وما أن تروح الحبكة تتكشّف حتّى تظهر لحظة، سمّاها أرسطو peripeteia، أو الارتداد عن المجرى السابق للأحداث بما يغيّر عالم المسرحيّة ويدفع البطل في وجهة مختلفة.
لهذا كان ضرورةً قصوى أن يشاهد المواطنون الأعمال التراجيديّة بانتظام لمقاومة ميولهم القويّة إلى الأحكام الجاهزة بحقّ آخرين والإدلاء، تالياً، بوعظيّات فارغة.
وهذا التماهي مع تجارب الآخر، والمسؤوليّة حيال ما يجمعنا به، والتعاطف مع من يخطئ والتعلّم من خطئه، إنّما يقف ضدّاً لقيم وممارسات درّجتها الأحزاب العقائديّة وصحافة «التابلويد» وبعض الإعلام الاجتماعيّ؛ خصوصاً سجالات التشهير، حيث يسارع الناطقون بلسان «حقيقة» ما، إلى تخوين من خالف، والشماتة بمن أخطأ.
لقد قدّم لنا أرسطو، قبل 25 قرناً، رؤية وتصوّراً رحبين. وهذا ما كان ليحصل لو لم يكن الأثينيّون سياسيّين يستخدمون التراجيديا وسيطاً لتقليب الأمور، أي الانفصال عن أنفسهم فيما يكونون متّصلين بها، والدخول تالياً في أنفس الآخرين. فأسخيليوس مثلاً الذي سبق أرسطو زمناً، كتب عملاً تراجيديّاً سماه «الفرس»، بعد 8 سنوات على هزيمة الغزاة الفرس في معركة سلامِس. ورغم مشاركته القتاليّة المرجّحة في الحرب، تمكّن أسخيليوس من أن يراها بعيون الخصم، ويقدّمها بصفتها هذه إلى الأثينيّين.
وهذا التفكير بالآخر، ومعه، وحياله، هو ما بات واحداً من شواغل الفكر السياسيّ المعاصر، وإن ظلّ من أضعف شواغل السياسة والسياسيّين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الآخر» بوصفه جواب أرسطو «الآخر» بوصفه جواب أرسطو



GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
المغرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
المغرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 07:08 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
المغرب اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:46 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أخوماش يهزم أملاح بالدوري الإسباني

GMT 00:14 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

صندوق النقد يتوقع مستقبلا عصيباً للاقتصاد العالمي

GMT 03:11 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

إنستغرام تطلق تجارب جديدة على ريلز لدعم المبدعين

GMT 06:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 00:16 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

داو جونز يرتفع 36 نقطة ليحقق مكاسب قياسية

GMT 03:05 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

مايكروسوفت تُعلن لوحة ألعاب للاعبين ذوي الهمم

GMT 10:03 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب التطواني يتعاقد مع عزيز العامري لقيادة الفريق

GMT 02:56 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تستعد شركة شاومي لإصدار النسخة العالمية من هاتف Redmi Note 14 5G

GMT 19:28 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

برج التنين.. قوي وحازم يجيد تأسيس المشاريع

GMT 15:20 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد العلمي يُفجِّر فضيحة مدوية تطال وزراء سابقين

GMT 23:56 2015 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

علماء "ناسا" يؤكدون وجود نوع من الحياة على كوكب المريخ

GMT 14:50 2013 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

سرير من خشب الجوز المتوهج يحكي تاريخ النحت

GMT 14:42 2022 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الدولار يرتفع مع استمرار الضغوط التضخمية في أميركا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib