ألكسندر دوغين عندنايا مرحباً يا مرحباً

ألكسندر دوغين عندنا...يا مرحباً يا مرحباً

المغرب اليوم -

ألكسندر دوغين عندنايا مرحباً يا مرحباً

بقلم : حازم صاغية

قبل قرن ونيّف، كان سؤال بعض النُخَب عندنا: «كيف نصبح مثل الغرب الديمقراطي؟». بعد قرن ونيّف، أضحى سؤال البعض: «كيف نصبح مثل روسيا؟» التي لم تنجح مرة في الانتقال إلى الديمقراطية. القياس اليوم مختلف: طهران مثلاً أرّقها عدم امتلاك الأسلحة الجوية التي تمتلكها موسكو وتقتل السوريين بكفاءة. على هذا النحو يرتسم الطموح وتُختار النماذج. مؤسسة إيرانية اسمها «الأفق الجديد الدولي» مهمومة بالسؤال في صيغته الجديدة، عقدت مؤتمراً في بيروت دعت إليه الروسي ألكسندر دوغين. وسائل الإعلام المرعية من إيران و«حزب الله» احتفلت بالضيف غير العادي.
دوغين، الذي لمع اسمه في ظل فلاديمير بوتين، فيلسوف يطوّر عقيدة مدارها استثنائية روسيا. الرجل يسعى إلى مزيد من البوتينية بعد تحسينها، أي تقريبها أكثر فأكثر من أفكاره. الأهم أنه أراد لهذا العالم أن يكون توتاليتارياً، حيث الدولة تراقب أقوال الجميع وأفعالهم. يعارض حقوق الإنسان وكونيّتها وحكم القانون، ويعتبرها أفكاراً مُعادية صادرة عن غرب مُعادٍ. كثيرون ينظرون إليه كمهرّج، لكن كثيرين يحملونه على محمل الجدّ. في شبابه، إبّان العهد السوفياتي، طُرد دوغين من الجامعة، وكان معروفاً عنه إعجابه بالفلاسفة المناهضين للعقلانية والحداثة. لكنه كان أيضاً معجباً بهتلر. لقد تأثّر بمثقفين ثلاثة تُنسب إليهم بدايات الدعوة الأوراسية: إيفان إيلاين (1883 - 1954)، ونيقولاي تروبتسكوي (1890 - 1938)، وليف غوميليوف (1912 - 1992). المناخ الفكري لهؤلاء يدور على نحو وآخر حول «رسالة روسيا الحضارية»: إنها المسألة التي لازمت، منذ القرن التاسع عشر، ثقافة روسية تنازعتها السلافية والأوروبة. ثالثهم وأشهرهم، الإثنوغرافي غوميليوف، ابن الشاعرين الكبيرين نيكولاي غوميليوف وآنّا أخماتوفا، نزيل السجون ومعسكرات العمل السوفياتية، وفي الوقت نفسه هو لاسامي متزمّت. الأوراسية، كما بلورها دوغين في 2001، مفادها أن وقوع روسيا بين أوروبا وآسيا يعطيها طابعاً فريداً وغير غربي. فهي ليست وطناً فحسب، بل حضارة أساساً. هويّتها لا تنتمي إلى الفيدرالية الروسية، بل إلى «العالم الروسي». العدو الطبيعي لهذا «العالم»: الغرب. دوغين أسّس «اتحاد الشبيبة الأوراسية» اليميني المتطرّف الذي عُرف بمسيرة شبه موسولينية في العاصمة الروسية. أعطي منصباً تعليمياً في جامعة موسكو الرسمية، وتردّد أن بوتين تأثّر به، خصوصاً حين تحدث إلى التلفزيون، بعد إلحاق القرم، عن الانتماء «إلى العالم الروسي». دوغين اعتبر أن رئيسه تبنّى آراءه عن التفوّق الإثني والثقافي والديني لروسيا. ويبدو أن بعض المحيطين بالرئيس يتبنّون فعلاً هذه الأفكار. في الحالات كافة تحوّل إلى نجم إعلامي مؤثّر، بعدما قضى سنوات يدافع علناً عن تقسيم أوكرانيا واستعمارها.
على أن الغرب المكروه ليس كل الغرب. إنه تحديداً الشطر الديمقراطي والليبرالي منه. فمن عِبَر القرن العشرين استنتج دوغين ضرورة تطبيق ما هو مفيد من الفاشية والستالينية، وبالتالي بناء بلشفية قومية. وهو حين أيّد انتخاب دونالد ترمب رئيساً، عام 2016، شدّد على أن ما يفصل بين روسيا والغرب هو أفكار التنوير المتصلة بحكم القانون والحقوق الفردية. من دون هذه يصبح الغرب ممتازاً، أما قادته فحين يفهمون أن هذه أفكار سيّئة، لا يعود هناك سبب للخلاف. دوغين امتدح الشعب الأميركي، لكنه دعاه إلى التخلّص من نُخَبه «الأوليغارشيّة» واعتناق قيم حقيقية، أي توتاليتارية وفاشية.
الحركة الأوراسية هذه تهجس بإمبراطورية تديرها موسكو، إمبراطورية عظمى تتأسس على قيم محافظة وعلى المسيحية الأرثوذكسية. العائلة والاستقامة الجنسية أساسيتان في التصوّر الدوغيني.
وهذا ليس من صراع الحضارات. إنه، على العكس، دعوة إلى اللقاء بين حضارات متشابهة في إصرارها على مقاتلة الغرب، أي رفض الحداثة والديمقراطية والكونية مما يسمّيه دوغين الهيمنة الأطلسية الرأسمالية والليبرالية. ذاك أنه لا بدّ من بناء تحالفات استراتيجية في أرجاء المعمورة بين القوى المناهضة للأطلسية وهيمنتها. أما «الثورات الملونة» فليست سوى القاطرة التي تُستَخدم لتوطيد تلك الهيمنة.
إيران الخمينية تحظى بموقع مكرّس في هذا التحالف. حتى اليسار، لا يعارض دوغين ضمّه إلى مشروعه شرط أن يعترف بالقيم التقليدية والمحافظة، وأن يعادي الحداثة وكونيّة القيم. هذا حاصلٌ اليوم.
بهذا تقود روسيا «موجة ثالثة» ضدّ الغرب بعد موجتين سابقتين قيصرية وبلشفية: الأولى صدّت عنها الكاثوليكية والبروتستانتية، والثانية حَمتْها من الرأسماليّة والتفسّخ.
هذه الوصايا هي بالضبط ما ينقصنا في هذا الجزء من العالم الذي يعاني فائضاً في الحريات وحكم القانون! فكيف إذا ترافقت مع هزيمة روسية ثالثة تلي الهزيمتين اللتين أطاحتا الموجتين الأولى والثانية؟
لقد سبق لبعض العرب أن أنشأوا تحالفات مشابهة مع النازية الألمانية والشيوعية السوفياتية، وكان ما كان من كوارث مطنطنة. أما أن تكون مجابهة الصهيونية، كما قيل، سبب التوجّه هذا، فيذكرنا بأن المجابهة نفسها كانت ذريعة التحالفات الكارثية السابقة. هذا علماً بأن بوتين، لا دوغين، هو من يقرّر في هذا المجال. وهو قد قرّر بشهادة تقاسم الأجواء السورية مع الإسرائيليين. تبقى نصيحة طهران لنا بأن نغطس مرة أخرى في الأوحال إياها. والحال أن هذه الأفكار الموحلة من أفضال الثورة الإيرانية ونظامها علينا. إن العاطفة أخوية لا يرقى الشك إلى ذلك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألكسندر دوغين عندنايا مرحباً يا مرحباً ألكسندر دوغين عندنايا مرحباً يا مرحباً



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib