بقلم - آمال موسى
يحتفل العالم، الثلاثاء المقبل، بـ«اليوم الدولي للتعليم»، وهي مناسبة جد مهمة للحديث عن حق الطفل في التعليم، وإلى أي مدى هذا الحق يجد الإنصاف والتلبية.
من المفارقات الكبرى أنه في عصر العلم والذكاء الصناعي نجد 244 مليون طفل ومراهق في العالم لا تُتاح لهم الفرصة للدراسة أو حتى إكمالها، وأيضاً 617 مليون طفل ومراهق لا يستطيعون القراءة، أو حتى إجراء العمليات الحسابية الأساسية.
نحن فعلاً في وضع عالمي سريالي متفاوت بشكل لا يسمح ببناء توقعات إيجابية نحو المستقبل.
كما أننا من باب الواقعية أيضاً، واستناداً إلى هذه الأرقام وغيرها، نعتقد أن الإيفاء بالوعود التي جرى قطعها في الخطة الأممية للتنمية المستدامة، فإنه من الصعب أن نتحدث بثقة ومصداقية عن أنه لن يكون هناك أطفال خلف الركب من ناحية حقهم في التعليم.
إن ارتباط الفقر ومظاهره وأبعاده المتعددة يعني آلياً ضرباً عميقاً للحق في التعليم. وكلما ازدادت مظاهر الفقر فالتعليم هو أول ما يتعرض للتهديد بشكل يمكننا أن نجزم فيه بأن الفقر هو رأس الأفعى الحقيقي، ولا يمكن مقاومة ظواهر الحرمان من حق التعليم ومن العنف ومن الكرامة الإنسانية دون معالجة للفقر.
ومما يزيد في تثبيت هذه الرؤية السوداوية أن الفقر في تنامٍ، وعرفت الدول ارتفاعاً في نسبته، مع جائحة «كوفيد»، ومع تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية التي جعلت الحديث عن الأمن الغذائي يتصدر الأولويات، بمعنى أن العالم اليوم يقاوم شبح المجاعة وانهيار القدرة الشرائية وارتفاع عدد الفقراء والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.
تراجعت قدرة الدول اليوم على أداء الدور الاجتماعي، وعلى تأمين استحقاقات ذلك؛ من بنية تحتية، كالمدارس والمستشفيات وغير ذلك. ومثل هذا التراجع يضر بمصلحة الناس طبعاً، والأطفال في المقام الأول.
هناك مشكل مركّب يعيشه العالم اليوم، من دون أن نتنبه إلى أن الأطفال هم أكثر ضحاياه، الشيء الذي يجعل المشكل لا يتعلق بالحاضر فقط، بل بالمستقبل تحديداً، باعتبار أن ما يمس الأطفال سنجني شوكه في المستقبل.
ففي اليوم الدولي للتعليم، وفي سائر الأيام، يجب أن نناضل، دولاً ومجتمعات مدنية ومؤسسات مانحة، من أجل القضاء على الفقر، لأنه رأس الأفعى الذي متى تم قطعه ستُقطع آلياً ظواهر ومشكلات من نتاج الفقر وانعكاساته؛ فهاجس الخبز لا يختلف من حيث القيمة والأهمية عن هاجس التمتع بالحق في التعليم، الذي أصبح، بحكم التغييرات، محل تهديد.
وفي الحقيقة، فإن مصلحة العالم المتقدم والدول الغنية اليوم الاستثمار في هذه الحقوق، أي الحق في التعليم، والحق في ألا تكون فقيراً، لأن العالم الغني هو أول المتضررين من ملايين من أطفال ومراهقين لا يجيدون القراءة، ويجدون صعوبة في الالتحاق بمدرسة وتلقي العلم. أي أن الاستثمار في التعليم يعني الاستثمار في مقاومة الإرهاب، وفي التنمية والعقل الإنساني ككل.
ليس مقبولاً في هذه الألفية أن يكون التعليم حق الطفل الذي تستطيع أسرته تأمين ذلك مادياً. بل يجب، ومهما كانت خيارات الدول ليبرالية، أن يظل الحق في التعليم من واجب الدولة، حتى يجد الطفل الفقير المدرسة والمعلم، ويدرس ويحلم ويصعد اجتماعياً؛ فالفقراء لا مصعد لهم غير التعليم، وهكذا تقطع الدولة الطريق على الذين يستثمرون في هشاشة الناس وفقرهم، وهكذا أيضاً نعترف بالناس.
إن الاعتراف بالناس يعني تلبية حقوقهم الأساسية في العقل، وإيفاء الدولة ببنود العقد الاجتماعي التاريخي بينها وبين الناس الذين تخلوا عن قوتهم من أجل أن تستأثر الدولة وحدها بما يُسمى العنف المشروع.
تعج اليوم مجتمعاتنا بالجمعيات التي تقوم بدور مهم، غير أن هذا الدور لا يعلي من الشأن الاجتماعي بالشكل الذي يناسب تراكم المشكلات الاجتماعية، لذلك فإن المهمة الكبيرة والجوهرية للجمعيات اليوم في البلدان الفقيرة والمتواضعة هي التركيز أكثر ما يمكن على حماية الأطفال والمراهقين من تداعيات الفقر والاستغلال متعدد الأوجه، ومساندة النساء والأسر التي تصارع الفقر وتحتاج إلى مَن يعزز صمودها.
لا يمكن الحديث، الثلاثاء المقبل، دولياً عن الحق في التعليم من دون إثارة أم المشكلات: الفقر الذي يمنع الإنسان من التمتع بحقوقه، ويجعل منه أشبه ما يكون بقنبلة موقوتة ضد ذاته وضد العالم.