بقلم - آمال موسى
تُحيي المجموعة الدوليّة اليوم العالمي للمرأة الريفية. وهي مناسبة نعتقد أنها من الأهمية بمكان وذات خصوصية بوصفها تركّز على النساء والفتيات في الوسط الريفي تحديداً، في حين أن الأيام الدوليّة الأخرى على غرار اليوم العالمي للمرأة، إنما تُقارب مسألة المرأة بشكل شامل وعام لا يسمح بتفكيك المشكلات والقضايا إلا فيما هو جامع، مع العلم أنه حتى البعد العام للمقاربة المتعددة الأبعاد يظل غير دقيق من منطلق كون نفس البعد يختلف في وتيرته وحجمه وعمقه من متغير اجتماعي إلى آخر.
لذلك فإن المرأة في الوسط الحضري ليست لها نفس المشكلات بالتمام والكمال مثل المرأة في الوسط الريفي، مما يفيد بأن خصوصية كل وسط تحتّم خصائص معينة تؤثر في واقع النساء والفتيات.
كيف هو حال المرأة في الوسط الريفي في بلداننا التي لا يزال الريف يلعب فيها دوراً كبيراً وعميقاً ويتدخل في تشكيل التوجهات والسلوك؟
من المهم الإشارة إلى أن أكثر من ثلث النساء والفتيات العربيات يعشن في الوسط الريفي، بما يعني أننا نتحدث عن حجم ديموغرافي ذي شأن وتمثيلية. وهو ما يفيد للوهلة الأولى بأن هناك مشكلات تصبح مضاعفة في الوسط الريفي مثل البطالة في صفوف النساء والفتيات، باعتبار أن التنمية في الوسط الريفي ضعيفة وحضور المرأة كقوة عمل يكاد يهيمن عليه دور المرأة كيد عاملة. ولعل وضعية المرأة في القطاع الفلاحي خير دليل على التحديات التي تشهدها هؤلاء النسوة، حيث إن المرأة تمثل اليد العاملة القاطفة التي تجني خيرات الأراضي الفلاحية وتتلقى مقابل ذلك أجراً زهيداً، إضافة إلى كونها لا تملك الأراضي ولا تتقاسم ملكية الأراضي رغم أن نسبة النساء والفتيات في الريف تبلغ النصف وأحياناً أكثر من النصف بقليل.
فالمرأة الريفية التي تكابد وتقوم بكل الأعمال الشاقة في الريف ليست أكثر من يد عاملة وتعيش على وقع هيمنة ثقافية ذكورية تجعل من الرجال يستأثرون بالثروة. بمعنى آخر، فإن النساء والفتيات في الريف يسهمن بشكل أساسي وشاق في خلق الثروة ولكن نصيبهن من هذه الثروة زهيد جداً.
نحن هنا أمام حيف ثقافي لا نسلط عليه التركيز اللازم كما هو شأن وضع المرأة في الوسط الحضري. ونعتقد أن الحديث عن أجر لا يخضع للمساواة في سنة 2022 من الثغرات التي تستوجب استنفار الجهود عربياً وسد هذه الثغرة التي لا تليق بجهد النساء والفتيات في بلداننا. ولنعترف صراحةً بأن ما تقوم به المرأة العربية اليوم ومن الوسطين الريفي والحضري إنما يمحو بقوة الأفكار المسبقة ويبعث برسائل جديدة بقدرة مجتمعاتنا على اللحاق بالركب وعلى التكيف والصمود والإبداع.
من هذا المنطلق فإن تعزيز قدرة النساء على الصمود في أريافنا هي مسألة عاجلة ومهمة وتستوجب وضع الخطط الوطنية وتبادل التجارب من أجل تمكين اقتصادي للنساء من وسائل الإنتاج ومن الأرض ومن ثقة أجهزة الدولة حتى يتسنى دمجها في الاقتصاد بوصفها فاعلة وباعثة للمشاريع الخلاقة.
ما لم يُطرَح إلى اليوم بقوة في بلداننا هو الرهان الفعلي على النساء والفتيات في الأرياف لتغيير وتيرة عجلة الاقتصاد وفي مجابهة مشكلات الأسرة العربية اليوم، ذلك أن دعم النساء في الاستقلالية الاقتصادية هو بمثابة المعالجة العملية لظواهر الانقطاع عن الدراسة بالنسبة للأطفال والفتيات في الأرياف واستغلالهم واستغلالهن اقتصادياً.
وفي الحقيقة فإن الجمعيات قادرة على أداء دور مهم في الأوساط الريفية التي تحتاج إلى عمل جبار في خصوص تغيير العقليات ودعم حقوق النساء والفتيات في وسط تهيمن عليه الثقافة الذكورية ويحتكم إلى نسق من القيم، والشيء الذي يعطل أحياناً سياسات دولنا التي باتت مقتنعة بأن النهوض أكثر ما يمكن بالمرأة بشكل عام والمرأة في الوسط الريفي بشكل خاص هو نهوض بالمجتمع ككل، ذلك أن التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية هو تمكين للأسر في الريف وحمايتها من الفقر وتداعياته على العلاقة بين الزوجين وعلى الأطفال. فالأمن والسلم يمر وجوباً عبر النساء وهن مؤتمنات عليه والتمكين الاقتصادي هو المورد الأول والأساسي لاستتباب الأمن والسلم الوطنيين قبل أن يكونا دوليين.
الفكرة بكل بساطة هي أن المرأة الريفية مجبولة على الصمود بالوراثة. وأول درس تقدمه الأرض لمن يحرثها ولمن يقطف ثمارها وزيتونها هو التحلي الدائم بالصمود.
غير أن الصمود قدرة والقدرة تحتاج إلى التعبئة والتعزيز وهذا لا يكون إلا اقتصادياً.
التمكين الاقتصادي علاج إذا ما طبقناه يعرف الجسد الاجتماعي نقلة في أرجائه كافة.
نساء الريف صامدات بالوراثة وعلى دولنا أن تساعدهن على الصمود بالمكاسب.