هل خلاصة الرمزي والمادي لم تعد من الأولويات

هل خلاصة الرمزي والمادي لم تعد من الأولويات؟

المغرب اليوم -

هل خلاصة الرمزي والمادي لم تعد من الأولويات

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

قليلون هم الشعراء الذين يهتمون بماهية الشعر، فتلك منطقة تأملية فلسفية، تورط في شعابها المولعون بالتفكير الموغل في المسافة وفي المدى. وذلك رغم أن قول الشعر من أقدم الفنون التي ابتكرها الإنسان، فأثبت قدرته على الخلق والإبداع والتعبير، فإن التعرف إلى ماهية الشعر وأسراره وكيفية حدوثه، ظلت أسئلة محيرة لا يعرف لها الشعراء سوى اجتهادات فردية تكونت لهم من تجاربهم الخاصة في الشعر. نطرح سؤال ماهية الشعر، لأن في الماهية تكمن الإجابة عن السؤال الذي يستبطن موت الشعر وانقضاء زمنه وانهيار إمبراطوريته.
طبعاً من المهم الإشارة قصدياً إلى أن العالم يعج بالتظاهرات الشعرية، والثقافة الأكثر قدرة على الهيمنة هي التي أنتجت من رحم ثقافتها ولغتها قامات من الشعراء، باعتبار أن الشعر هو خلاصة المعرفي والعفوي والرمزي والمادي معاً.
ونحن في فصل الصيف مثلاً يقرأ الشعراء أشعارهم في أكثر من مهرجان ومدينة وفضاء. ويمتطي شعراء كثر الطائرات متوجهين إلى مدن دعتهم إلى قراءة الشعر مع جمهور نوعي يجيد التفاعل مع خيالهم.
الشاعر اللبناني الفرنكفوني صلاح ستيتية، الذي غادرنا في شهر مايو (أيار) 2020 لديه تأملات شتى في المسألة الشعرية، منها ما قدمه في محاضرة مطولة برحاب «بيت الحكمة» في تونس عام 2002 ضمن فعاليات ملتقى قرطاج الدولي السادس، حيث تناول قضية مغرية معرفياً وشعرياً، تتمثل في مسببات الشعر وشروده. ونظراً إلى عمق هذه المحاضرة التأملية وأهميتها، فقد اهتم بها رئيس «بيت الحكمة» آنذاك الراحل أستاذي عالم الاجتماع والفيلسوف عبد الوهاب بوحديبة، فتمت ترجمتها من طرف الأستاذ محمد المنصوري، الذي كان موفقاً إلى أبعد الحدود في تعريبها، وفي المحافظة على تماسكها الفكري، ذلك أنه ليست ترجمة الشعر فقط صعبة، بل أيضاً التأملات التي تمليها الموهبة الشعرية حول ماهية الشعر الزئبقية.
وفي هذه الكلمة، تناول الشاعر اللبناني العربي صلاح ستيتية نقاطاً عدة؛ من بينها قوله إنه ليست مهمة الشعر أن يفصل الإنسان عن العالم، أو أن يفصله عن نفسه، وذلك في نطاق رغبة في السيطرة على العالم بواسطة اللغة، بل على العكس من ذلك، فالشعر محاولة، داخل اللغة وبين اللغة والعالم. ويدقق ستيتية هذه المسألة بقوله: «عندما أقول (الكون)، فأنا أقصد مظاهر الواقع اليومي المألوفة جداً في حياتنا، أقصد الغيمة، والحشرة، وكافة الأشياء الملازمة بشكل طبيعي لحياتنا اليومية - والتي يتولاها الشاعر ويترجمها ضمن مشروعه التعبيري هنا والآن إلى جانب كافة الأشياء البسيطة والبهية التي هي من منزلة الديمومة. ويوجد تضارب بين مفهومي (هنا والآن)، من ناحية، و(الديمومة)، من ناحية أخرى. ففي حين يتمثل الـ(هنا والآن) في الزائل، والوقتي، والخفي، والعابر، تنتمي الديمومة إلى منزلة المطلق».
أما بخصوص موقع الشعر في الحياة المعاصرة، فيعتبر ستيتية أن الشعر لا يحل ضمن ما يعتبره الإنسان المعاصر والمجتمع المعاصر من الأولويات، إذ إننا «أصبحنا ننتمي أكثر فأكثر، في العالم (المتقدم)، إلى مجتمعات (ترفيه)»، مضيفاً أن فيما وراء لعبة الترفيه هذه، يقف الشاعر على هامش الكون.
وحول المقصود بالبلاغة في الشعر، رأى ستيتية أنها تتمثل في أن نترك اللغة تؤدي على سجيتها مهمة تكوين العالم من جديد من دون الاعتماد على أي شيء آخر سوى ديناميتها المتواترة، كما المحرك الذي يشتغل في حالة توقف، والذي خلال اشتغاله ذاك يحدث ضجيجاً أكبر مما لو كانت العربة تسير.
كما تطرق صلاح ستيتية في محاضرته التأملية الفكرية هذه إلى كثير الطرح من سنوات، وهو: هل لا يزال الشعر أمراً قابلاً للتصور؟ مبيناً أن قصيدة المستقبل هي المستقبل ذاته بكل ما يعج به من اختراعات، الذي لا تتوافر للخيال الإنساني عنه اليوم سوى نظرة باهتة جداً وضبابية جداً.
وفي الحقيقة، فإن هذا السؤال الذي يستبطن تشكيكاً في الحاجة إلى الشعر إنما تكمن الإجابة باعتبار أنه في اللحظة التي ندرك فيها أن العالم لا يتبع للشعر، فإنها نفس تلك اللحظة التي تحتم ضرورة الدفاع عن الشعر، وحتمية صمود الشعراء، وذلك لسبب واحد، وهو أن الشعر جزء من الحياة ورئة الكون، ومن هنا فإن طرح السؤال حول أهمية الشعر اليوم من عدمه هو سؤال خاطئ، ولا يعد تكراره في العقدين الأخيرين إلا سوء فهم للكون.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل خلاصة الرمزي والمادي لم تعد من الأولويات هل خلاصة الرمزي والمادي لم تعد من الأولويات



GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 15:59 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أنطونيو غرامشي... قوة الثقافة المتجددة

GMT 15:57 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الجامد والسائح... في حكاية الحاج أبي صالح

GMT 15:52 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

الفرق بين المقاومة والمغامرة

GMT 15:49 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

أشياء منى حلمى

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:57 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الاستهتار" يدفع حكم لقاء سبورتنغ والطيران لإلغاء المباراة

GMT 03:43 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء يعثرون على مقبرة اللورد "هونغ" وزوجته في الصين

GMT 19:20 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

سعد الدين المرشّح الأقوى لمنصب رئيس البرلمان المغربي

GMT 11:14 2015 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

سيارات نيسان الكهربائية تمد المنزل بالطاقة

GMT 04:18 2016 الإثنين ,16 أيار / مايو

أم لستة أطفال تستخدم الخضروات في أعمال فنية

GMT 00:57 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة أم يحيى تكشف عن حقيقة السحر وأسرار الأعمال السفلية

GMT 12:56 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد والترجي الجمعه في أقوى مواجهات الجولة الرابعة

GMT 15:43 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مارسيلو يخالف لاعبي الفريق الملكي بشأن زميله بنزيمة

GMT 02:00 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة عطور جديدة من "Trouble in Heaven Christian Louboutin"

GMT 12:37 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

الوداد المغربي يُخصص تذاكر خاصة لجماهير المغرب الفاسي

GMT 15:54 2019 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

شركة أميركية تطرح هاتفا ذكيًا بسعر "استثنائي" في المغرب

GMT 04:45 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

الملا يكشف عن علاج مرض بطانة الرحم المهاجرة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib