هل أخطأ الشعب التونسي

هل أخطأ الشعب التونسي؟

المغرب اليوم -

هل أخطأ الشعب التونسي

د. آمال موسى
د. آمال موسى

يمكن القول إنّه منذ أن كشفت صناديق الاقتراع عن الفائزين في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة قبل قرابة العام، والحياة السياسية في تونس تشكو تأزماً عميقاً لم تفلح جائحة كورونا إلا في إخماده إلى حين.

وفي الحقيقة، ما يحصل من تجاذبات وخلافات وتوترات باتت عصية على التخفي كان متوقعاً، باعتبار أنَّ الانتخابات أفرزت طبقة سياسية متنافرة التوجهات والآيديولوجيات، لكن مطلوب منها الإذعان لواقع التعايش القسري.

ما تمَّ الفشل فيه إلى حد الآن هو تحقيق التعايش القسري: ففي البرلمان تكرَّر قطع الجلسات وتعطيلها مرات عدة؛ بسبب صعوبة تعايش حركة النهضة والحزب الدستوري الحر داخل البرلمان. المعطى الجديد الذي زاد في تأكيد حالة التوتر هو ظهور نوع من البرود السياسي بين رئيس الجمهورية قيس سعيد، ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، خاصة مع الارتباك الذي تزامن مع ظروف تشكيل الحكومة الجديدة، حيث كلّف رئيس الدولة هشام المشيشي بتكوين فريق حكومي جديد، وسلك نهج إقصاء الأحزاب وتهميشها والانتصار لخيار ما سمي حكومة التكنوقراط، التي يبدو أن مسار تكوينها لم يخلُ من تصادمات وضغط وحرب وجود سياسية.

طبعاً كان يمكن أن يوضع هذا التوصيف في باب التأويل، لولا ما جاء قبل يومين في مداخلات نواب البرلمان من اتهامات لرئيس الدولة، مثل إرادة الهيمنة على الحكم والاستفراد به، وأنَّه يتعاطى مع نظام برلماني بتصور النظام الرئاسي، إضافة إلى تلويح بعض النواب صراحة بأنَّ الحكومة حكومته وليست حكومة مستقلة. ومن جهته، ردَّ الرئيس أول من أمس في خطاب أداء الحكومة التي نالت ثقة البرلمان، باتهامات أكثر قوة واستعمل في خطابه أوصافاً مباشرة ولاذعة.

إذن، الحرب الكلاميّة قائمة الذات بين رئيس قام بإقصاء الأحزاب، فردَّت الفعل هذه الأخيرة بالمصادقة على الحكومة الجديدة المقصاة منها، وذلك تفاعلاً مع مظاهر نشوب توتر بين الرئيس ورئيس الحكومة المكلف. كما أنَّ الواضح أكثر أنَّ الطبقة السياسية الحالية عجزت عن التعايش ويميز انعدام الثقة العلاقة بين مختلف الأطراف.

السؤال: هل إنَّ الشعب التونسي هو المسؤول عن تشكيل هذه الطبقة السياسية غير المتجانسة؟

هذا السؤال بدأ يُطرح في سياق نقد لاختيار الشعب التونسي في الانتخابات، حيث أعطى ثقته لطبقة تُوجه لها اتهامات عدة، على رأسها التعامل مع المناصب والحكم بذهنية الغنيمة علاوة على كونه – أي الشعب - لم يكن واضحاً في اختياره فشتت الناخبون أصواتهم بين أحزاب عدة لم تكن فائزة ولا خاسرة، وبينها اختلافات جوهرية تمنعها من العمل سوية.

والمشكل أنَّ الواقع يحتّم على الجميع العمل معاً، في حين أنَّه لا يوجد حزب يستطيع تكوين حكومة بمفرده والحصول على الحد الأدنى من الأصوات اللازمة للمصادقة، الشيء الذي اضطر الحزب صاحب الأغلبية النسبية في البرلمان، إلى إجراء تحالفات، لكن كانت هشَّة إلى درجة رفض منح حكومة الحبيب الجملي المكلف من حركة النهضة الثقة.

وهكذا نفهم مدى تعقد الوضع السياسي في الوقت الرّاهن تونسياً، وإذا ما اعتمدنا على الأحداث والمؤشرات المتراكمة على امتداد السنة الأولى لما بعد الانتخابات في توصيف الوضع، سنجد أنّه يفتقد الاستقرار والحد الأدنى من التعايش السياسي. فالكل ينتقدُ الكل، والتقييمات السلبية ديدنُ الجميع.

قد نتساءل هنا: إذن ما الحل؟

الحل هو في إعادة الانتخابات، وهو أمر تمّ التلويح به أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة، وهو أمر لم يجد شجاعة تبنيه لاعتبارات كثيرة؛ أولها سيناريو فقدان الكثير من النواب مقاعدهم، خصوصاً أنَّ صورة البرلمان أصبحت سلبية، والشعب التونسي اليوم يتمثل النائب انتهازياً وتنقصه الجدية والمعرفة والخبرة.

ومع ذلك، فأغلب الظن أنَّ إعادة الانتخابات من السيناريوهات الواردة جداً، ومن الصعب مواصلة التأزم السياسي أربع سنوات قادمة، خصوصاً أنَّ الحكومة الجديدة تبدو رغم منحها الثقة فاقدة للسند السياسي، فلا هي حكومة الرئيس ولا هي حكومة حزب بعينه، ولا هي حكومة ائتلاف حزبي أو وحدة وطنية كما جرت العادة، بل إنَّ حصولها على ثقة البرلمان هو نتيجة تقاطع مصالح، وتقاطع توترات بين الأحزاب التي أقصاها الرئيس في عملية تشكيل الحكومة ورئيس الدولة.

وفي صورة الاعتماد على نتائج سبر الآراء، فإنَّ حظوظ الحزب الدستوري الحر تبدو واعدة جداً، وتمثل تهديداً جدياً لحركة النهضة. وخلافاً لما يثق به خصوم حركة النهضة، فمن الصعب الجزم بتراجع شعبيتها وخسارتها للانتخابات، إذا ما انتهى التأزم إلى إعادتها؛ لأنَّ علاقة حركة النهضة بقواعدها ليست رهينة وعود وتحسين الأوضاع المعيشية وبرنامج اقتصادي، بل هي علاقة عقائدية ووجودية أيضاً؛ لأن قواعد النهضة يدركون أنَّ في تقهقر الحركة تهديد لوجودهم الاجتماعي، حتى لو كانت هذه الفكرة لا مكان لها في تونس ما بعد الثورة. فلا ننس أنَّ تاريخ التهميش والقهر السياسي والسجون قد تغلغل في ذاكرة الإسلاميين في تونس، وما زالت ذاكرة ما قبل الثورة حاضرة وشبحاً يحيط بهم. لذلك؛ فما يجمع قواعد النهضة بحركتهم صلة وجود قبل المشروع والبرنامج. وما يقوي هذه الصلة هو استبطان شعور رفض لهم من الخصوم الكثر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل أخطأ الشعب التونسي هل أخطأ الشعب التونسي



GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأمريكية

GMT 22:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الكل متأخر... سيدي!

GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 15:30 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

متى يبدأ الدرس؟

GMT 14:53 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية واستحقاقات الحرب السرية

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:26 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات الكلى
المغرب اليوم - أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات الكلى

GMT 09:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يتصدّر ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك
المغرب اليوم - عمرو دياب يتصدّر ميدان

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 10:41 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الفرنسي هيرفيه رونار يعود لتدريب منتخب السعودية

GMT 05:47 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 06:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار الأميركي يواجه تحديات عقب توسع مجموعة "بريكس"

GMT 06:11 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية

GMT 09:46 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مانشستر سيتي في ضيافة وولفرهامبتون بالدوري الإنكليزي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib