هل ستضبط إسرائيل نفسها الآن

هل ستضبط إسرائيل نفسها الآن؟

المغرب اليوم -

هل ستضبط إسرائيل نفسها الآن

د. آمال موسى
د. آمال موسى

هل التطبيع الذي حصل بين دولة الإمارات العربية ومملكة البحرين وإسرائيل يُقوي الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط ويُضعف فلسطين شعباً وقضية؟

ُطُرح هذا السؤال الذي حاولنا صياغته بدقة وانتباه شديدين ونحن نعاين حالة استغراب وإحباط أصابت الفلسطينيين وجزءاً من النخب والشعوب في الفضاء العربي بشكل عام.

طبعاً يجب ألا يفوتنا أن هذا الشعور طبيعي وهو حق لمن كان لديهم طموح أكبر من قدرة الواقع الرّاهن على تلبية النزر اليسير من طموحهم هذا.

من جهة ثانية وكي نكون صريحين، فحتى قبل توقيع المعاهدات المتعلقة بالتطبيع لم يكن الإحباط أقل مما هو حاصل الآن وربما فقط الأمل كان يطل أحياناً ثم يغيب.

يبدو لي أن خطاب الرفض والاستسلام لحالة الإحباط ليس بالحل. وقد نحتاج إلى أن ندخل تجربة مختلفة ونرسم رؤية جديدة ونرى النتائج فيما بعد، خاصة أن عدم التطبيع لم يفد العرب بشيء ولا القضية الفلسطينية بأي شيء.

بلغة أخرى مفتوحة على الربح كما الخسارة أقول بحذر شديد: لقد جرّبنا الصراع وأخطأنا كثيراً في إدارته وخسرنا... فلمَ لا نجربُ التطبيع ونستفيد مما أسأنا فيه في السابق؟

أعرف أن تغيير المقاربة ليس سهلاً. وأدرك أن النزاع العربي - الإسرائيلي أثقل القضية بدماء الشهداء الكثر. ولكن كل شيء تغير منذ حرب الخليج الأولى وأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وفي أقل الحالات لا يمكن أن تظل القضية الفلسطينية ممسكة بالمقاربة نفسها وجامدة في مكانها، والحال أن كل التوازنات تغيّرت والنظام العربي تغير برمته.
فإما ممارسة حركة في كيفية مقاربة القضية الفلسطينية، وإما الاستمرار في الوهم الذي يضاعف الإحباط كلّما طال عمر الوهم أكثر.

إنّ التاريخ تجارب والشعوب تعيش تجاربها الصعبة وتجدد في رهاناتها وتغير من استراتيجياتها، وذلك بحثاً عن تحسين شروط الواقع. فالذي جعل الدول العربية تقبل اليوم بما كانت ترفضه هو واقع اليوم الذي هو نتاج نخب تتالت على الحكم طوال نصف القرن الأخير وأيضاً التكتيك الضعيف لاتفاق أوسلو، حيث إن واقعنا العربي آنذاك كان يسمح بتفاوض أكثر أهمية للفلسطينيين مقارنة بواقعنا الحالي.

وفي كل الحالات لا بد من مخرج ومن حلّ ومن نظرة مغايرة، على الأقل نظرياً لنعترف أن مقاربتنا السابقة فشلت بغض النظر عن الأسباب، وإن كان لا بد من النظر في الأسباب وعلى رأسها دور حركة «حماس». لا نظن أن «(حماس) نفعت القضية الفلسطينية في إنجاز ما والعبرة بالنتائج». هناك من اعتقد أن وجود الحركة يمثل ضغطاً على إسرائيل ولكن أظن أن إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من منهج «حماس».

المقاربة الجديدة التي أقصدها ليست مقاربة الخنوع والاستسلام بل أقصد التفكير في الربط بين الحق والقوة الاقتصادية. فالقوي اقتصادياً هو القادر على الذود عن حقه. وفي الحقيقة هذا مبدأ عريق جداً سار وفق تعاليمه تاريخ البشرية.

نحتاج إلى التدبر أولاً في كيفية تحسين شروط وجودنا الاقتصادي في عالم اليوم مع الأخذ بعين الاعتبار أطروحة أن رفض التطبيع أعاق عملية تحسين وضعنا الاقتصادي، ناهيك من تنمية الحياة السياسية في دولنا ومحاولة خلط الأوراق بهدف عدم الاستقرار... لأنّه ليس من صالح الخصم أن نتطور من دون أن ننسى الإخفاقات الذاتية الكثيرة العميقة.

من هذا المنطلق فإن التفكير العملي يفرض على الفلسطينيين تغيير مضمون الرهان من مضمون عدم التطبيع إلى ما يمكن أن تقوم به الدول العربية من خلال التطبيع لفائدة القضية الفلسطينية. قد تبدو فكرة تغيير مضمون الرهان على البلدان العربية غامضة ولكن ما سيجعلها واضحة هو الحوار والمفاوضات، ذلك أن علاقة العرب بالقضية الفلسطينية وإن كان سقفها حالياً ليس عالياً، فهذا لا يعني أن كل تاريخ العلاقة كان شعاراتياً.

هناك جانب حقيقي في علاقة العرب بالقضية الفلسطينية وليس بوسع أي طرف التفريط فيه لأن فلسطين موجودة في موازين القوى والمصالح دائماً. لذلك فإن التطبيع لن يلغي دفاع العرب عن القضية بل يقويه؛ لأن التطبيع هو بين طرفين، وستخضع إسرائيل إلى تقييدات التطبيع وليس في صالحها أن تواصل السياسة نفسها مع الفلسطينيين وهي في علاقات تطبيع مع دول عربية، حيث إنّ المصالح والعلاقات الاقتصادية قد ترشدان السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.

بمعنى آخر فإن التطبيع وإن كان نقطة نوعية وعنوان فوز تاريخي بالنسبة إلى إسرائيل، فإنه في الوقت نفسه عامل ضغط يفرض عليها ضبط النفس الذي لطالما لم تجد ما يُبرره كي تقوم به.
ولا نظن أن إسرائيل تكتفي بالإنجازات السياسيّة، والحال أن الذكاء يحتم أن تمتص يأس الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بتغيير مقاربتها وحساباتها تجاه الحقوق الفلسطينية، وهكذا فقط يبدأ أمن إسرائيل المشروط بنيل الفلسطينيين حقهم؛ ذلك أن الهدف المرغوب في بلوغه هو السلام الشرق أوسطي؛ والسلام يفرض الأخذ والعطاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل ستضبط إسرائيل نفسها الآن هل ستضبط إسرائيل نفسها الآن



GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا
المغرب اليوم - المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا

GMT 08:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا
المغرب اليوم - ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا

GMT 16:36 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
المغرب اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 01:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 24 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة

GMT 01:40 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

زين الدين زيدان يرفض عروض التدريب بعد رحيله عن ريال مدريد

GMT 20:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

فيسبوك يضيف "عدد المشاهدات" للصور والنص في المنشورات

GMT 02:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حكيم زياش أكثر من سجل للمنتخب المغربي في ملاعب إفريقيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib