المناعة والهشاشة في الحرب

المناعة والهشاشة في الحرب

المغرب اليوم -

المناعة والهشاشة في الحرب

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

لا شك في أن الحرب هي سبب قوي لإلحاق حالة الهشاشة بالدول، والمجموعات الدولية، والمؤسسات الاقتصادية، وغيرها. فالهشاشة مضمونة الحصول في حالة اندلاع حرب، وهو درسٌ ما فتئ يتأكد وصولاً إلى الحرب الراهنة الروسية والأكرانية.
من المهم التذكير أن حدوثَ هذه الحرب من عدمه كان إلى قبيل سويعات من اندلاعها، محل شكٍ كبير واستبعاد أكبر، لأن تداعياتِها من الثقل والخطورة ما يجعل من التراجع عنها، أقربَ من حدوثها.
ولكن الحرب المستبعدة الحدوث صارت مع الأسف واقعاً صعباً.
طبعاً مسألة الهشاشة تثبت من ناحية أخرى معنى فكرة العولمة التي تتسع لكل شيء، وتطال كل الأحداث والتغيرات. بل إن عولمة التوتر وتداعياته، هي أكثر ما يثبت قوة المحرك الميكانيكي الرقمي للعولمة.
كل العالم أصابته الهشاشة بسبب الحرب الروسية الأكرانية، ولو كان ذلك بشكل متفاوت، ويخضع لقدرة كل بلد على التحمل والاستيعاب، وهنا نجد أنفسنا أمام ما يسمى في علم الأحياء بالمناعة.
غير أن المناعة ذاتها ليست ثابتة ومهددة في حالات الحروب، إضافة إلى كونها مرتبطة بزمن الأزمة والحرب. أي أن المناعة تتأثر بطول الحرب وتتناقص. كما أن المناعة قد تعرف تدهوراً يتحدد حسب الثروات الطبيعية التي يملكها البلد، ووفق نهضته الاقتصادية والقدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية على الأقل.
كما أن حالة العولمة جعلت من الأزمة الدولية تطال كل العالم دفعة واحدة، بحكم العلاقات المتشابكة والتبادلات المعقدة، على نحو يؤكد أن صاحب فكرة أن العالم أصبح قرية صغيرة لم يجانب الصواب في أطروحته هذه البتة.
في أسابيع قليلة جداً أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية هشاشة العالم، وكيف أنه مرتبط ببعضه البعض:
غلاء فاحش في أسعار الطاقة وفي المواد الفلاحية الأساسية مثل الحبوب التي لا يستغني عنها أي شعب وليس سهلاً مجابهة ما عرفته أسعاره من ارتفاع مفاجئ مشط.
إن الدول تسوس شعوبها وفق ميزانيات وتقديرات وتصوغ إدارتها لأحوال المعاش بناء على الواقع القائم. ويكفي أن تطرأ على الواقع حرب لم يُحسب لها حساب حتى يحصل الإرباك. لذلك فإن الأزمة المتفاوتة الحدة حاصلة اليوم وتكاد تشمل غالبية المجتمع الدولي.
الآن هناك مشكلات عدة في أفق الحاضر المدجج بالمشكلات:
الحديث عن أن أمد الحرب ليس قصيراً، وأنه مرشح ليمتد على شهور عدة وسنتين كأقل تقدير يمثل في حد ذاته مشكلة عويصة، حيث إن الدول المتضررة مالياً واقتصادياً، وبالتالي اجتماعياً، إنما هي حالياً تحاول إيجاد الحلول الصعبة لحرب لا تستطيع اعتبارها إلا عابرة. أي أن سيناريو الحرب الطويلة يعني تضاعف الهشاشة أو التأقلم وخلق صيغ نجدة جديدة.
المشكلة الثانية، وهي من دروس التاريخ، تتمثل في أن أي حرب كبيرة ومنهكة للاقتصاديات هي في حد ذاتها تقوم بإعادة تنظيم العالم وتبويبه، مما ينتج عنه وضع معقد للدول القوية والأخرى الأقل قوة، وذلك من منطلق أن الحروب هي إعادة هيكلة للقوة وتوزيع مختلف لرموزها.
أما المشكل الأكثر عمقاً فيتعلق بالدول التي تعرف إصلاحات وانتهجت نهج الديمقراطية، إذ تقودها الحرب إلى مشاغل أخرى وتعيد ترتيب أولوياتها، خصوصاً أن الدول التي في طور الإصلاح والوليدة الديمقراطية تحتاج إلى الاستقرار، لخلق تراكم ونشر القيم الجديدة، وتحتاج بشكل كبير جداً إلى اقتصاد قادر على مواجهة الحد الأدنى، لأن من طبيعة الشعوب الاهتمام بالاستقرار الاقتصادي.
لذلك فإن بعض الدول السائرة في طريق الإصلاح تعرف عراقيل حقيقية انطلقت مع تداعيات ما قبل الإصلاح ومخلفاته، وتصادمت مع جائحة «كوفيد - 19» التي أنهكتها، وأثرت على مقدرتها التي تم تحويل وجهتها للتصدي للجائحة. وما إن بدأت ملامح التعافي ومؤشرات استئناف وتيرة العمل والتبادل حتى دق ناقوس الحرب الروسية الأوكرانية، فكان ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب الذي أصاب في العمق الميزانيات، ومن ثمة فإن تراكم العراقيل المذكورة والمانعة للاستقرار الاقتصادي ولإشباع توقعات الشعوب، يصيب مشروع الإصلاح بالإرباك ويعطله، إذا ما تم العجز الاقتصادي، خصوصاً بالنسبة للدول الأكثر تضرراً من الحرب الروسية الأكرانية.
من دروس التاريخ أن الاستقرار ضرورة لبناء الديمقراطية والإصلاح، وأن المعطى الاقتصادي لا غنى عنه لتوفير الأرضية اللازمة للتجاوب والتفاعل ولقوة الحكم ذاتها.
ما يحصل اليوم يقوض جذبَ الدول ذات المعوقات لمدار الحريات والمشاركة، إذ يجعلها تغرق في معالجة الأزمات غير المتوقعة، تحديداً منها التي تمس حياة المواطنين، والتي تستوجب مدخرات تتجاوز قدرات البلدان التي هي بصدد التعافي اقتصادياً، ومحاولة تأمين إلى الأمن بمعانيه الاقتصادية أولاً وثانياً.
طبعاً اكتشاف الهشاشة نقطة مهمة وإيجابية، عندما تشحن الإرادة لسدها بالأفكار والسياسات الخلاقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المناعة والهشاشة في الحرب المناعة والهشاشة في الحرب



GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

أيقونة الموضة سميرة سعيد تتحدى الزمن بأسلوب شبابي معاصر

الرباط - المغرب اليوم

GMT 06:47 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
المغرب اليوم - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 06:55 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل
المغرب اليوم - أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل

GMT 13:53 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

لجين عمران تروج لماركة حقائب شهيرة

GMT 17:42 2023 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

أفكار جديدة لديكورات غرف المكاتب المنزلية

GMT 05:48 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

تعرفي على "الصيحة" الأكثر رواجاً لتصاميم مطابخ 2019

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

أفكار لاستخدام "أسرّة الأطفال" في المساحات الصغيرة

GMT 20:54 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

عزيز بوحدوز يطلب من الجمهور المغربي أن يسامحه

GMT 07:34 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

كوكو شانيل تبيّن حبها المتجدد لتصميم المجوهرات

GMT 02:49 2015 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

ساو باولو البرازيلي يودع الحارس الأسطورة روجيريو سيني

GMT 14:13 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

الأمير سليم يعلن خطبته على حبيبة مهند السابقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib