بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي
عشرة أيامٍ مضت بعد المناظرة التاريخية بين مرشحي الرئاسة الأميركية، بايدن وترامب، وحين تسير الأمور كالمعتاد بالنسبة لترامب والحزب «الجمهوري»، فإن بايدن والحزب «الديمقراطي» قد دخلوا في دوامة تسترعي الانتباه وتستحق الرصد.
بايدن قال عن نفسه: «أنا لا أمشي بسهولة كما اعتدت، ولم أعد أتحدث بسلاسة كما اعتدت من قبل، لكنني أعرف ما أعرفه... وأعرف كيف أقوم بهذه المهمة»، وهو إقرارٌ منه بالنقص في صحته الجسدية، ولكنّه جاء في سياق الدفاع عن نفسه وأحقيته بالاستمرار في الترشح، ومؤيدوه بدأوا في التناقص من داخل إدارته، أما قيادات الحزب «الديمقراطي» فقد أخذوا يفتشون عن بديلٍ «ديمقراطي» قادرٍ على مواجهة «الجمهوري» دونالد ترامب، سواء في نائبة الرئيس كامالا هاريس أو غيرها من القيادات.
المتحمسون لتأييد بايدن يقتصرون على عائلته التي تدعم ترشحه بقوةٍ، وبعض القواعد الحزبية التي لم تتضح لها رؤية الحزب ولا شخصية البديل، واستطلاعات الرأي في غالبها تؤكد انخفاض شعبيته عند قواعد الحزب وأنه في مرتبة متأخرة عن منافسه الجمهوري في سباق الرئاسة، وقوة الدفع الحزبية التي جعلته ينتصر على ترامب قبل أكثر من ثلاث سنواتٍ لم تعد بنفس الحماسة ولا ذات الكثافة.
بالمقابل، فترامب قد وحّد الحزب «الجمهوري» خلفه بسهولة، وهو يتفرج على ما يجري من ارتباكٍ واضطراباتٍ بين الحزب «الديمقراطي» الذي يفتش عن بديلٍ وبين بايدن الذي يصرّ على الترشح ويرفض أي محاولات لإيجاد بديلٍ عنه، وهذا الارتباك وصل لكبار المانحين والمتبرعين لحملته من هوليوود الذين يطالبونه بالتنحي، وخمسة أعضاء «ديموقراطيين» في مجلس النواب يطالبونه بالتنحي، وبايدن في مقابلة له مع «إي بي سي نيوز» يقول ويصرّ «أنه أفضل مرشح ديمقراطي يمكنه منع ترامب من العودة للبيت الأبيض»، بل وصل به الأمر إلى أن يؤكد أنه «لن يقنعه بالعدول عن ذلك سوى (القدرة الإلهية)».
هذا التباين في الموقف في صفوف الحزب «الديمقراطي» مع قرب الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر القادم يؤكدان أن الحزب «الديمقراطي» يعيش أزمةً حقيقيةً وعملية عميقة، فإصرار بايدن على الترشح يزيد حظوظ ترامب في الفوز، ولو نجحت قيادات «الديمقراطيين» في تنحيته وعدم دعمه فيسبب هذا انشقاقاً داخل الحزب لن يحصد ثماره سوى ترامب.
ثمانون في المئة من الناخبين يعتقدون أن بايدن أكبر سناً من أن يترشح لولاية ثانيةٍ، ويقارنون صحته بصحة أقاربهم القريبين منه في السن، وهي مقارنة ليست في صالحه، وعلى الرغم من كل هذا، فهو مصرٌّ بثقة وحماسة تناسب حالته الصحية والعقلية أنه لن يتنحى ولن يتراجع وسيكمل ترشحه ويدير حملته ويهزم ترامب مجدداً.
منذ صعود «اليسار الليبرالي» في قيادة الحزب «الديمقراطي» مع «أوباما» بدأت أميركا تأخذ شكلاً حاداً وغير مسبوقٍ في صراعاتها الداخلية، وكان «ترامب» هو التعبير عن السخط الداخلي الرافض لتلك الرؤية اليسارية الليبرالية في السياسة وأثرها المغاير لمنطق التاريخ في أميركا قائدة العالم التي تسعى للانعزالية والانسحابية من العالم، ولم يلبث هذا اليسار الليبرالي أن حشد كل صفوفه وإمكاناته واستطاع بقيادة بايدن هزيمة ترامب في انتخاباتٍ لم يزل ترامب يصر على أنها غير شرعية وأن نتائجها لم تكن صحيحة.
ترامب ليس أفضل الرؤساء الأميركيين، ولكنه ليس أسوأهم كذلك، والحملة ضده دخلت في دهاليز المؤسسات العدلية والقضاء وحشدت رموزاً فنيةً ونجوماً وحركاتٍ اجتماعية منظمةٍ، وأوصلت الصراع الداخلي الأميركي إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ من التشنج والانقسام. أخيراً، فكلما تأخر توحيد الحزب «الديمقراطي» لصفوفه استفاد ترامب، ولا ينطبق هنا المثل الذي يقول: «ما أشبه الليلة بالبارحة»، كما يرى بايدن.
*نقلاً عن "الاتحاد"