إرث الإمبراطوريات لا يتلاشى
الحوثيون يؤكدون إفشال هجوم أميركي بريطاني على اليمن باستهداف حاملة الطائرات "يو إس إس هاري إس ترومان" إسرائيل تنفي مغادرة أي وفد لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى القاهرة 10 جنود إيرانيين شباب لقوا حتفهم في حادث سقوط حافلة في واد غرب إيران سقوط نحو 300 قتيل في اشتباكات عنيفة بين قوات سورية الديمقراطية وفصائل مسلحة مدعومة من تركيا في محيط سد تشرين وزارة الصحة في غزة تكشف أن عدد ضحايا عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع ارتفع إلى 45,259 شهيداً و107,627 مصاباً من 7 أكتوبر 2023 تسجيل 76 حالة وفاة و768 إصابة جراء إعصار شيدو الذي ضرب مقاطعات "كابو" و"ديلغادو" و"نابولا" و"نياسا" في شمال موزمبيق زلزال متوسط بقوة 5.3 درجة غرب يضرب جنوب إفريقيا تكريم الفنان الكوميدي محمد الخياري في الدورة العاشرة لمهرجان ابن جرير للسينما وفاة الفنان المغربي القدير محمد الخلفي عن عمر يناهز 87 عامًا بعد معاناة طويلة مع المرض ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 45227 شهيد و107573 جريح منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

إرث الإمبراطوريات لا يتلاشى

المغرب اليوم -

إرث الإمبراطوريات لا يتلاشى

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

عرف التاريخ القديم والحديث ممالك كبرى وإمبراطوريات عظمى تجمع بين القوة والتوسع وفرض الهيمنة ويستحضر الناس الكثير من نماذجها المعروفة، أما ورثتها فهم لا ينسونها تمجداً وفخاراً، وأما خصومها فيستذكرونها بشيء من النقد العميق، وبقية الناس يفعلون ذلك للاتعاظ والاعتبار أو للدرس والفهم.

لا يوجد في التاريخ كله إمبراطورية قامت ولم تسقط، فهي جميعاً تقوم وتتصاعد قوة ونفوذاً ثم تضعف وتضمحل وتسقط أو تتساقط ثم تتلاشى، ولكن إرثها الإمبراطوري لا يتلاشى مثلها، بل يتحوّل إلى ملهمٍ دائمٍ وأوهامٍ متحكمة وربما خطيرة تتشكل في الوجدان الجمعي للأمم والشعوب التي تمثلها، وتتشكل تلك الأوهام والأحلام عبر قومياتٍ أو آيديولوجيات وخطاباتٍ يراد لها التماسك والتأثير وتبني جميعاً على منظوماتٍ من الأفكار والمفاهيم وربما الأحزاب والجماعات التي تبقيها حاضرة في الذهن تحوّلها إلى مشاريع وبرامج عملية، فمستقلٌ ومستكثرٌ.

تتوجه هذه الآيديولوجيات والمنظومات إلى خلق «نوستالجيا» متمكنة وجدانياً وثقافياً وسياسياً وتعتمد على خطابٍ هوياتي عميقٍ تتوارثه الأجيال لمواجهة التحديات وتستخدمه القيادات للتأثير في الحاضر والمستقبل.

عرفت العصور القديمة الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية وغيرهما الكثير، وشهدت العصور الوسيطة الإمبراطورية الإسلامية باسم «الخلافة» على اختلاف مراحلها، وعرفت العصور الحديثة الإمبراطوريات الروسية والبريطانية والفرنسية، وأميركا لدى عدد من المؤرخين تعد الإمبراطورية الأقوى في التاريخ.

الإمبراطورية الروسية القيصرية سقطت، ولكن إرثها الإمبراطوري استمر في ثنايا «الشيوعية» في إمبراطورية «الاتحاد السوفياتي» ثم عاد صريحاً مع الدولة الروسية المعاصرة وخطابها القومي والوعي الذي يعبّر عنه الرئيس بوتين في كلماته المطوّلة التي يتناول فيها التاريخ بتفصيل.

الإمبراطورية الفارسية انتهت قديماً، ولكن إرثها يتناقل في إيران، في الدولة الصفوية والقاجارية والبهلوية وتجلى بقوة بعد «الثورة الإسلامية». والإمبراطورية العثمانية سقطت على يد كمال أتاتورك في تركيا، ولكن إرثها تجلى في خطابات وأحزاب عند نجم الدين أربكان وتلاميذه وأفصحت عن نفسها مع إردوغان، وإرث هاتين الإمبراطوريتين يعني القارئ العربي كثيراً لأنها تعمل في منطقتنا وتتقاطع سياساتها وطموحاتها واستراتيجياتها مع دولنا وشعوبنا.

هذا السياق دعوة للتأمل والتفكير وليس له غرض في أي أحكام معيارية أو أخلاقية، بل هو قراءة في الخلفيات العميقة للواقع المعيش سياسياً واجتماعياً وثقافياً بما يمنح المتابع للأحدث والصراعات الإقليمية والدولية رؤية أفضل للدوافع والمؤثرات التي لا تظهرها الأرقام ولا الإحصاءات، ولكنها تكمن خلف ذلك كله، وتأثيرها أقدم وأعمق.

الإمبراطورية الإسلامية عبّرت عنها قرونٌ من «الخلافة الإسلامية» الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية، وهي إمبراطورية كبرى وقد سقطت جميعها على مراحل تاريخية متفاوتة، ولكن إرثها الإمبراطوري ما زال موجوداً، وقد تحوّل لأوهامٍ في تصوّر التاريخ وسلسلة من الأوهام لاستعادته، وتجلت تلك الأوهام في آيديولوجيات وجماعات وتنظيماتٍ عرفت بجماعات الإسلام السياسي وهي بنت منظوماتٍ فكرية ومفاهيمية وثقافية واسعة ومتشعبة لإعادة تلك الخلافة وفق نموذج خاص عملت عليه هذه الجماعات.

وقد انتشرت هذه الجماعات في الدول العربية الوارثة لأمجاد الخلافة الإسلامية وفي تركيا الوارثة للخلافة العثمانية، وشيء من ذلك تسرّب لإيران (الثورة الإسلامية) بعدما تبنّت سياسات ما سمّاه المفكر المغربي عبد الله العروبي «تسنين التشيّع» في تفاصيل طويلة ومهمة، ومن الطبيعي أن يوجد مثل هذا الإرث الإمبراطوري على تنوعه في هذه الأماكن.

الأمثلة توضح شيئاً من هذا السياق، وباكستان وماليزيا على سبيل المثال دولتان مسلمتان، ولكن ليس لهما إرث إمبراطوري خاص، ولهذا فالخطاب الإمبراطوري لديهما مستجلب من أوهام استعادة الخلافة الإسلامية، فخطاب أبو الأعلى المودودي الإمبراطوري لجأ للأمة والخلافة الإسلامية لأنه هو شخصياً قادمٌ لباكستان من الهند، والهند لها سياقٌ حضاري مختلفٌ تماماً عن طرحه وفكره، والأمر نفسه مع مهاتير محمد في ماليزيا الذي استجلب خطاباً إمبراطورياً ليس له ولا لبلاده، ولكنه أخذه من دولٍ أخرى واستورده وعمل عليه.

يصح هذا حتى في الإمبراطوريات الحديثة، فتجد دائماً بقايا تعبر عن هذا الإرث الإمبراطوري في الفكر والتاريخ كما في السياسة والثقافة، والإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس انتهت، ولكن إرثها لم ينتهِ، وما دول «الكومنولث» إلا تشبث بها من نوع خاص ضمن سياقات أخرى تعبر عن المعنى نفسه، والإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية انتهت، ولكن فرنسا ما زلت تتشبث بالمنظمة «الفرانكفونية» حتى لا ينطفئ ذلك الإرث، و«الكومنولث» البريطاني و«الفرانكفونية» الفرنسية تضم كل واحدة منهما عشرات الدول المنتشرة حول العالم.

هذه الخلفيات التاريخية العميقة تمنح الباحث قدرة على قراءة بعض السياسات والاستراتيجيات للدول المعاصرة، كما تمنح قدرة على فهم الدوافع التي تجعل بعض القيادات وبعض الدول تنفق المليارات وتدعم الجماعات أو الأحزاب أو تنشئها من العدم وتستبع الآلاف المؤلفة من البشر بالآيديولوجيات والخطابات والشعارات في مشاريع إقليمية ودولية لاستعادة شيء من ذلك الإرث وإحيائه والبناء عليه وبمثل هذا الإرث تدير صراعات الحاضر وتبني توسعات المستقبل.

التفاهمات والاتفاقات السياسية تحكم الدول والتزاماتها الحالية، ولكنها لا تلغي أي إرثٍ أو تاريخٍ يتمّ استحضاره والبناء عليه أو الترويج له، وقد شهدت العقود القليلة الماضية صراعاتٍ كبرى في منطقتنا بين مشاريع ثلاثة كبرى؛ هي المشروع الطائفي والمشروع الأصولي ومشروع الاعتدال العربي، وبسبب قوة التدافع تنازلت بعض الدول والجماعات عن مشاريعها المباشرة وخططها العملية وسياساتها المعروفة، واضطرت للتعامل مع واقع جديد فرضت قوة الأطراف الأخرى وتوازنات القوى إقليمياً ودولياً، ولكن الإرث سيبقى موجوداً على الدوام، والوعي به مهمٌّ في الحاضر والمستقبل.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استغرب العالم جميعاً من الإعلان عن محاولة انقلابية في ألمانيا، فيها تنظيمٌ خطط لإسقاط النظام والحكومة والاستيلاء على المؤسسات الدستورية ولديه آيديولوجيا صارمة وسلاح ومستعد لارتكاب الجرائم لتحقيق المشروع، ويقوده أمير ومساعدون في قطاعات مختلفة، والمفارقة في هذا الخبر العجيب هي التي تؤكد هذا السياق وأن بعض الإرث الإمبراطوري الحقيقي أو المتوهم قادرٌ، على الدوام، على التعبير عن نفسه بأشكال متعددة وطرائق مختلفة، وهي لا تبقى دائماً في عالم الأفكار فحسب، بل تتجلَّى أحياناً على الواقع وتؤثر فيه.

أخيراً، فقد كتب الشاعر الألماني غوته يوماً قائلاً: «الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة، يبقى في العتمة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرث الإمبراطوريات لا يتلاشى إرث الإمبراطوريات لا يتلاشى



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
المغرب اليوم - المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع

GMT 13:49 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة زينة تكشف عن مفاجأة جديدة في مشوارها الفني
المغرب اليوم - الفنانة زينة تكشف عن مفاجأة جديدة في مشوارها الفني

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 09:12 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

لاعبو منتخب "الأسود" يؤكدوا ثقتهم في الركراكي

GMT 08:54 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

العام الحالي 2023 الأكثر حرّاً في التاريخ المسجّل

GMT 16:07 2023 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

علماء الآثار يزعمون اكتشاف "خريطة كنز عملاقة"

GMT 05:19 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زينّي حديقة منزلك بـ"فانوس الإضاءة الرومانسي"

GMT 09:00 2018 الثلاثاء ,12 حزيران / يونيو

" ديور " تطرح ساعات مرصعة بالألماس

GMT 18:37 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

شيرى عادل فى كواليس تصوير "بنات سوبر مان"

GMT 02:51 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

شيرين سعيدة بنجاح "سابع جار" ودورها في "عائلة زيزو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib