ألقى التقرير النصف سنوي الذي ناقشه مجلس الأمن الدولي حول مراحل تنفيذ القرار 1701 للنصف الأول من عام 2019 بظلاله على الهيئات السياسية والدبلوماسية اللبنانية. فقد اوحت بعض الملاحظات الى إمكان إعادة النظر في قواعد سلوك الأمم المتحدة ومهماتها في الجنوب، وهو ما يوجب تداركه قبل فوات الأوان. وعليه، هل هناك ما يعوق وجود موقف لبناني موحّد؟ كيف؟ ولماذا؟
منذ صدر القرار 1701 في 12 آب 2006 ، فإنّ اي تقرير من مجمل التقارير الخمسة والعشرين التي صدرت الى اليوم عن الأمناء العامين للأمم المتحدة، لم يقرّ بأنّ الجانبين اللبناني والإسرائيلي قد نفذا الالتزامات المفروضة عليهما بموجب القرار، ولم يُحرزا اي تقدّم نحو اتفاق دائم لوقف النار والخروج من دائرة «وقف العمليات العدائية» بين البلدين، كما انتهى اليه القرار نفسه.
لذلك، لم يُفاجأ لبنان، بمراجعه السياسية والدبلوماسية، بالتوصية الأولى الواردة في مقدمة التقرير، عند اشارته الواضحة الى استمرار «الهدوء على وجه العموم» الذي تحقق على الخط الأزرق المُقترح بين البلدين، في ظل بقاء قيادة هذه القوات، ومعها مكتب المنسق الخاص لشؤون لبنان، على اتصال مستمر بكلا الطرفين من اجل نزع فتيل التوتر بينهما وحضّهما على استخدام القنوات القائمة لمعالجة الشواغل والامتناع عمّا يهدد وقف العمليات العدائية.
وبالإضافة الى هذه النقطة، ومعها بعض الملاحظات التقليدية التي بقيت في الشكل دون ان تلامس المضمون، مثل تعداد الخروقات الجوية والبرية والبحرية لقوات العدو الإسرائيلي التي انتهكت السيادة اللبنانية، وتجاوزت الجوية منها معدل المئة في الشهر الواحد، فقد توقفت المراجع الدبلوماسية امام سلسلة الملاحظات الأخرى التي تناولت بعض الأعمال المخلّة بمضمون الإتفاق وتحميل الجانب اللبناني مسؤولية الخروج عنها وعدم الإلتزام بها.
وهي ملاحظات تجلّت بالإشارة الى مسؤولية لبنان عن وجود الأنفاق التي تمّ اكتشافها، خارقة للخط الأزرق على جانبي الحدود بين البلدين. مضافة الى منع القوات الدولية من الكشف عن مخازن سلاح محتملة من ضمن المنطقة الواقعة بين الحدود الجنوبية ومجرى نهر الليطاني المحظورة على اي سلاح غير شرعي لا يحمله الجيش اللبناني والقوات الدولية. كما اتهام الجانب اللبناني بتقييد حركة هذه القوات ودورياتها في المناطق السكنية وعدم التزام لبنان الضمانات الدولية المطلوبة من لبنان لجهة وجوب احترام الحكومة سياسة النأي بالنفس بالكامل.
ورغم معرفة اللبنانيين ودبلوماسيين كثر، بأنّ ما اشار اليه التقرير عن الأنفاق ليس جديداً، فالحديث عنها سابق للاتفاق المشار اليه في آب 2006 ويعود الى ما قبل 25 ايار 2000 تاريخ انسحاب الجيش الإسرائيلي من طرف واحد من جنوب لبنان، التزاماً متأخّراً منه لاكثر من عقدين ونيف من الزمن بما نصّ عليه القرار 425 (1978) والقرارات الأخرى ذات الصلة. فالجميع يعرف بوجودها طيلة فترة الإحتلال الإسرائيلي لأجزاء واسعة من الجنوب اللبناني بعد عام 1982 وحتى انسحابها منه.
ولذلك، فانّ اعتماد التقرير الإشارة الإسرائيلية للأنفاق للمرة الأولى في بداية العام الجاري (13 كانون الثاني 2019) يثير القلق ويؤشر الى احتمال إثارة الموضوع من جديد لتحميل لبنان مسؤولية اي حادث يمكن ان يطرأ، ومنها عدم تجاوبه مع التحقيق في مصيرها، وهي التي ثبت انّها حُفرت في ملكيات خاصة لا تدخلها قوات «اليونيفيل»، وبالنتيجة هي من مسؤولية القوى الأمنية اللبنانية الشرعية.
ففي اعتقاد اللبنانيين، انّ البحث تجاوز هذا الملف في اجتماعات اللجنة العسكرية الثلاثية التي ترعاها الأمم المتحدة في الناقورة منذ اشهر عدة، وغداة البحث الذي احياه الجانب الأميركي بملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين منذ بداية ايار الماضي، في اعقاب استئناف السفير دايفيد ساترفيلد مهمته على مسار المفاوضات بين البلدين، قبل ان يسلّم المهمة الى خلفه السفير دايفيد شنكر، الذي تولّى مهماته منذ ايام، اعقبت مثول السفير ساترفيلد امام الكونغرس الأميركي للإدلاء بشهادته، ايذاناً ببدء المهمة الجديدة التي سيتولاها في الأيام المقبلة كسفير لبلاده في انقرة.
والى هذه المحاذير التي دلّ اليها التقرير، تبقى الإشارة البالغة الدقّة في متنه الى عدم التزام لبنان حظر دخول المسلحين والأسلحة إلى منطقة عمليات القوة الدولية بين الخط الأزرق ونهر الليطاني. وهو امر برّره التقرير بالإعلان المتكرّر لمسؤولي «حزب الله» وجماعات مسلحة مختلفة باقتناء الأسلحة والصواريخ، وهو امر غير مقبول لما يشكّله من خطر جدّي على مهمة «اليونيفيل» ومصير القرار 1701 متى اندلعت اي مواجهة في المنطقة يهدّد بها الجانبان يومياً. وهو امر، يقترح التقرير معالجته ليس بالإجراءات المطلوبة من الجيش والقوى الشرعية، بل بضرورة إلتزام سياسة النأي بالنفس تجاه الأحداث في المنطقة.
عند هذه المحطات السلبية، يتوقف البحث عن طريقة معالجتها. وما أثار القلق كانت المواجهة التي شهدتها جلسة المناقشة في مجلس الأمن بين المندوب الإسرائيلي الذي تحدث عن تهريب «حزب الله» للأسلحة عبر مرفأ بيروت، وردّ السفيرة اللبنانية امال مدللي عليه. فهي دعت مجلس الأمن الى عدم التزام الصمت إزاء التهديدات الإسرائيلية للبنية التحتية اللبنانية. وهو ما اعتُبر خطوة لبنانية استباقية مخافة تكرار ترددات حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في ايلول من العام الماضي، عن نصب الصواريخ الى جانب مطار بيروت ومواقع حساسة أخرى.
والى هذه العناصر السلبية، سجّل الدبلوماسيون اللبنانيون ايجابيات بإشادة التقرير بإقرار الحكومة لموازنة عام 2019 وتشكيل مجموعة المؤسسات والهيئات التي تحاكي قوانين حقوق الإنسان كمثل «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» و»لجنة منع التعذيب»، كما بالإشادة باستضافة النازحين السوريين في البلاد.
وتختم المصادر الدبلوماسية بالحديث عن استعدادات لبنانية عاجلة لمواجهة الملاحظات الاممية، مخافة ان تفلت اي محاولة لتغيير قواعد وسلوكيات «اليونيفيل» التي يحتاج اليها لبنان، ولا يمكن التفريط بها اياً يكن الثمن، رغم النظرة المختلفة بين اللبنانيين الى اكثر من ملف، ولاسيما من السلاح غير الشرعي في المنطقة وسياسة «النأي بالنفس» ومسائل أخرى مرتبطة به.
وبمعزل عن كل ما سبق، يسود الإعتقاد انّ السلاح اللبناني الخفي في مواجهة المخاوف من الملاحظات الأممية، تمسّك دولهم بالأمن المحقق في الجنوب. وهو امن مضمون لم يتوافر في اي مرحلة سابقة، ويسوّق له على انه من انجاز التفاهمات المخفية التي كرّست هدوءاً لم تنعم به اسرائيل يوماً ولا مجموعة الدول المشاركة في «اليونيفيل» ولا يمكنها التنكر له في اي وقت.