تنتهي اليوم المهلة القانونية للتقدم بالطعن امام المجلس الدستوري في قانون موازنة 2019 بوجود طعنين، فيما لم تعين الحكومة بعد نصف أعضاء هذا المجلس بعدما انتخب مجلس النواب النصف الآخر. فما هي الفرص المتاحة امام الطعون؟ وهل تمكنت الحكومة من تعطيل بعضها في الجلسة التي عقدت السبت الماضي؟
ليس واضحا بعد ما سيكون عليه حجم الطعون في قانون موزانة عام 2019 التي ستسجل في قلم المجلس الدستوري، فحتى أمس كان هناك طعنان اساسيان سيصار الى التقدم بهما امام المجلس بعد الإنتهاء من اعدادهما وتوقيعهما من النواب العشرة. وهما:
الطعن الأول اعدته «لجنة الشؤون القانونية في حراك العسكريين المتقاعدين» التي ضمت كلا من العميد حبيب كيروز والعميد الركن سامي خوري والعميد الركن الطيار اندرة ابو معشر. وهم من نخبة الضباط الإداريين والمتخصصين في الشؤون المالية الذين شاركوا في سنوات الخدمة في وضع موازنة قيادة الجيش اكثر من مرة ويعرفون خفاياها جيدا.
وفي الملخص التنفيذي للطعن قال العسكريون رأيهم في طلب ابطال بعض المواد التي تشكل «مخالفة لأحكام الدستور ولمبادئه..«ولذلك طلبوا رد المواد 23 و47 و48 و82 من القانون رقم 144 الصادر بتاريخ 31/7/2019 والمنشور في العدد 36 من الجريدة الرسمية بتاريخ 31/7/2017.
وفي الأسباب الموجبة لإبطال هذه المواد قال الطاعنون ان المادة 23 شكلت مخالفة لمقدمة الدستور والمبادىء الدستورية العامة والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وان المادتين 47 و82 تشكلان مخالفة لاحكام الفقرة (ج) من مقدمة الدستور والمادة 7 من الدستور (أي مبدأ العدالة والمساواة). وان هاتين المادتين شكلتا مسا بالضمانات التي اقرت بموجب قوانين سابقة دون التعويض عنها او باحلال ضمانات محلها اقل قوة وفاعلية. ومخالفة مبدأ ثبات التشريع وعدم جواز اقتطاع المزيد من اساس المعاش التقاعدي الموازي لـ 85% من اساس آخر راتب تقاضاه الأجير المتقاعد.
وشكلت المادة 82 وحدها مخالفة لمبدأ الالتباس في تطبيق النص المعتمد بان الضريبة هي لقاء المساعدات الإجتماعية، وباعتبارها نوعا من الازدواج الضريبي عدا عن الغموض في النص لجهة النسب والالتباس في تحديد من هم المعفيون من الضريبة. كما شكلت هذه المادة مخالفة لمضمون المادة 83 من الدستور ومبدأي الشيوع والشمول. ويفترض ابطال مضمون المادتين 23 و48 فور ابطال المادة 47 لكونهما متفرعتين عنها.
اما الطعن الثاني فقد اعدته مجموعة اختارها القضاة لابطال مواد من قانون الموازنة شكلت تجاوزا لحقوق مكتسبة للسلطة القضائية ومسّاً بآلية عملها بعدما اكتشفوا مجموعة من الخروقات الدستورية التي يمكن ادراجها تحت عنوان «فرسان الموازنة» المحظورة في قانون الموازنة العامة ولا يجوز اللجوء اليها لإمرار قوانين منفصلة عنها شكلا ومضمونا.
يبقى ان هناك طعناً ثالثاً لم ينجز بعد، إن لم يكن قد صرف النظر عنه. وهو يتعلق بما يسمى «اقتراح قانون ألان عون». الذي اعطى الحكومة مهلة ستة أشهر لبت قطع الحساب العائد الى موازنة عام 2017 والسماح بالتصويت على موازنة عام 2019 دون بته. وهو امر انتهى الى خرق دستوري كبير بتوافق بين اطراف التسوية الرئاسية المنسحبة على الملفات الكبرى. وهي خطوة قادت الى امرار الموازنة العامة في جلسة مجلس النواب الأخيرة دون العودة أوالإلتزام بمضمون المادة 87 من الدستور.
وهي التي قالت:« ان حسابات الادارة المالية النهائية لكل سنة يجب ان تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة ...». وهو امر يعد مخالفة كبيرة لا يمكن السكوت عنها إن تمت مراجعة المجلس الدستوري لاعتبارات مختلفة، وابرزها ان اقتراح النائب عون قاد الى تعديل الدستور بقانون عادي مقترح ومقدم من نائب واحد بدلاً من 10 نواب.
والى هذه الطعون المشار اليها لم يعرف بعد إذا كان هناك اي من الأطراف الأخرى يعد لطعن يفترض التقدم به امام المجلس الدستوري. فهناك متسع من الوقت للتثبت من ذلك فاعتبار يوم 15 آب الجاري آخر مهلة لتقديم الطعون عطلة رسمية تمدد المهلة قانونا الى نهار غد الجمعة.
وايا تكن النتائج التي يمكن ان تؤدي اليها هذه الطعون على الجميع ان يدركوا ان ابطال قانون الموازنة برمته مستحيل في مثل الظروف التي تعيشها البلاد. فالرهان على البت بالموازنة على المستوى الدولي والمؤسسات والصناديق المانحة يحول دون ذلك. وهو ما يعتقده الطاعنون انفسهم سواء الذين تقدموا بطعونهم او صرفوا النظر عنها فالامر بالنسبة اليهم محسوم وان الخطوة مستحيلة ايا كانت صوابية اي طعن وقوته.
ولذلك فان الطعون الجزئية هي المحتملة، وخصوصا ان الحكومة التي احالت قطوعات حسابات الموازنات من العام 2004 الى العام 2017 في اجتماعها الأخير السبت الماضي الى مجلس النواب قد وضعت سدا اولا في مواجهة الطاعنين لكنه غير مضمون ما لم تلتزم بانجاز قطع حساب العام 2017 على الأقل خلال الأشهر الستة المقبلة التزاما بالمهلة التي اعطاهم اياها مجلس النواب.
وختاما، لا بد من الإشارة الى ان المجلس الدستوري الحالي قد ينظر في هذه الطعون فتشكيل الجديد دونه عقبات. فالتركيبة المكملة لما انجز من انتخابات لخمسة اعضاء منه في مجلس النواب لم تنجز بعد في مجلس الوزراء ولا يمكن للمجلس الجديد ان يتسلم اي من هذه الطعون او غيرها قبل ان يقسم أعضاؤه اليمين امام رئيس الجمهورية. والى حينه سيظهر الخيط البيض من الأسود مما هو مطروح على هذا المجلس.