إيران وإسرائيل هل انتهت لعبة الإنكار

إيران وإسرائيل: هل انتهت لعبة الإنكار؟

المغرب اليوم -

إيران وإسرائيل هل انتهت لعبة الإنكار

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

«هل سيكون الوضع مختلفاً هذه المرة؟» كان هذا التساؤل الذي أقضّ مضاجع الدوائر السياسية بطهران، مع نقل مزيد من أكياس الجثث جواً إليها قادمةً من دمشق.

حملت الأكياس رفات 13 دبلوماسياً وضابطاً عسكرياً إيرانياً، بينهم اثنان من كبار قادة فيلق «الحرس الثوري» الإيراني، وهما الجنرال محمد رضا زاهدي (الملقب بأبو مهدي) والجنرال محمد هادي حاج رحيمي. وسقط الجميع قتلى جراء غارة جوية إسرائيلية ضد ما جرى تقديمه للعالم بوصفه مبنى قنصلياً في العاصمة السورية. المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الإسرائيليون ضباطاً من «الحرس الثوري»، ومرتزقة لبنانيين وعراقيين وسوريين وباكستانيين وأفغاناً داخل سوريا، بهدف القضاء عليهم.

بدأت هذه العملية عام 2015 وبلغت ذروتها في عام 2020، وكانت المرة الأخيرة التي أعلنت فيها هيئة رسمية تتبع إيران أرقاماً بهذا الخصوص عام 2018، عندما قدّرت مؤسسة «الشهداء والمضحّين بأنفسهم» خسائر إيران بنحو 5000 قتيل. إلا أن الأرقام لم تحدد عدد الضباط أو المرتزقة الإيرانيين. وفي أثناء السنوات الثلاث الأولى من هذه الدورة القاتلة، استخدمت طهران مسألة أكياس الجثث من دمشق أداةً دعائية، ونظّمت مَسيرات حاشدة يوم دفن «أبطال الإسلام» كما يسمّونهم. إلا أنه في وقت لاحق، عندما تفاقمت خسائر طهران، جرى إغفال الجانب الدعائي، وبدأ دفنهم بهدوء.

وبمرور الوقت، ولأسباب منها نفوذ الجنرال الراحل قاسم سليماني، قررت طهران تجرُّع الأمر على مضض، والتفاخر بـ«الانتقام»، لكن دون انتقام على أرض الواقع. ولو أن سليماني كان حياً اليوم، لَبذَلَ قصارى جهده لتجنب التورط في صدام مباشر مع إسرائيل أو القوات الأميركية في المنطقة، بل ربما كان لينشئ قناة اتصال مع الإسرائيليين عبر مراسلاته مع الجنرال ديفيد بتريوس، الذي كان آنذاك القائد الأعلى لـقوات الولايات المتحدة في المنطقة. وتماشياً مع هذا الاتفاق الضمني، نجد أن إسرائيل، من جانبها، لم تعترف رسمياً قط بتنفيذ أكثر من 40 هجوماً على امتداد ست سنوات.

على الجهة المقابلة، ردَّت طهران بالمثل عبر تجنب إلقاء اللوم بشكل مباشر على إسرائيل، وبدلاً عن ذلك، اختارت استخدام تعبير ملطف: «أعداء الثورة الإسلامية». وحتى عندما قتل الإسرائيليون الجنرال حسين همداني، أحد القادة المفضلين لدى المرشد الأعلى خامنئي، قررت طهران عدم تنفيذ تهديدها بـ«الانتقام الشديد». وبالمثل، مرَّ اغتيال ستة من كبار العلماء المتعاونين مع «الحرس الثوري» الإيراني في إيران نفسها من دون عقاب.

تركزت استراتيجية سليماني حول محاربة إسرائيل والولايات المتحدة عبر وكلاء، مع التلويح بإمكانية كبح جماح هؤلاء الوكلاء، كبطاقة في لعبة البوكر القاتلة مع «الشيطان الأكبر» و«الكيان الصهيوني».

والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: هل بلغ توازن الرعب الهش هذا نهايته؟ تُنبئ الإشارات الواردة من طهران بأن ذلك حدث بالفعل. ومن بين أسباب ذلك غياب شخصية تتمتع بالكاريزما والموارد الضخمة التي كان يتمتع بها سليماني، بما يتيح المضي في التسويق لفكرة «اقتل العدو بألف طعنة»، واستخدام المرتزقة دروعاً بشرية. ويتمثل سبب آخر في أن إسرائيل اعترفت هذه المرة بتفاخر بتنفيذ هجوم عقابي ضد إيران.

والأهم من ذلك، ربما تكون هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل مبنى يرفع العلم الرسمي لإيران. في المقابل، فإن جميع الهجمات السابقة كانت ضد قواعد ومبانٍ بها ضباط ومرتزقة إيرانيون بصفتهم «مستشارين» للجيش السوري الرسمي.

في تلك المرات السابقة، كان باستطاعة طهران أن تتظاهر بأن تلك الهجمات كانت ضد الجمهورية السورية التي تقع على عاتقها مسؤولية الرد. أما هذه المرة، فقد وقع الهجوم ضد القنصلية الإيرانية ومقر إقامة السفير المجاور، وكلاهما يرفع عَلَم إيران. جدير بالذكر أنه في القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، يعد الهجوم ضد سفارة أو قنصلية سبباً لإعلان الحرب. وثمة عامل آخر قد يجبر خامنئي على الاستجابة بشكل مختلف هذه المرة، وهو الغضب الحقيقي بين أتباعه، الذين يشعرون بالفعل بعدم الارتياح إزاء رفضه دعم جماعة «حماس» في حرب غزة.

إلى متى يجب أن ننتظر تنفيذ الانتقام الشديد الموعود؟ هكذا تساءل إبراهيم عزيزي، نائب رئيس لجنة الأمن الوطني بمجلس الشورى الإسلامي. فمن جهته، أعلن رئيس المجلس، نظام الدين الموسوي، إرسال بعثة خاصة إلى دمشق لـ«التعرف إلى ما حدث». وأضاف أن «الانتقام مطلب وطني لا يمكن تجاهله». ورددت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إرنا» أصداء هذا الشعور بعنوان «الأمة كلها تطالب بالانتقام». وفي افتتاحية نشرتها الوكالة، الثلاثاء، قالت إن «سفارات وقنصليات العدو الصهيوني في دول عدة أهداف جاهزة للانتقام». وأضافت، على نحو ينذر بالسوء: «يجب استعادة توازن الرعب». وفاجأ كبير المحللين الاستراتيجيين في التلفزيون الرسمي، مهدي خراطيان، المشاهدين بقوله: «إذا لم نحرك ساكناً هذه المرة، علينا الاستعداد لاغتيال كبار المسؤولين داخل طهران».

واللافت أن رسالة «كفى» ترددت في خطب بعض الملالي الأكثر تطرفاً. مثلاً، قال هاشم الحسيني: «إن إيران، بوصفها مركز المقاومة، لا يمكنها أن تُظهر الضعف، خصوصاً أن المقاومة الفلسطينية تمرّغ أنف الصهيونية في التراب». كما قال بور الخاقاني إن إسرائيل هاجمت البعثة الدبلوماسية الإسلامية في دمشق للتمويه على الإذلال الذي تعرضت له على أيدي الفلسطينيين.

وكررت وكالة «إرنا» هذه الفكرة عبر ادعاء أن «نتنياهو فشل في إنجاز أهدافه الثلاثة: تحرير الأسرى الإسرائيليين، وقتل يحيى السنوار ومحمد ضيف، وتدمير أنفاق غزة».

من جهته، اقترح كمال سجادي، المتحدث باسم «حركة أتباع الإمام»، أن «يوم القدس» القادم ربما يكون الوقت المناسب للانتقام. وقال عضو مجلس الشورى المنتخب حديثاً، علي رضا بناهيان، إن إيران يجب أن تحافظ على وجودها العسكري في سوريا، ما يتطلب ضمان سلامة «أبطالنا الإسلاميين».

حقيقة أن خامنئي أمر بعقد جلسة كاملة للمجلس الأعلى للأمن الوطني، الأولى منذ أكثر من عامين، تكشف قلقه إزاء تنامي المعارضة في صفوف المجموعة الأساسية من الناخبين الداعمين له، واعتقاد البعض أن «صبره الاستراتيجي» ليس سوى ذريعة لغياب عزيمته. ومن وجهة نظره، ثمة خطر متفاقم من أن تنظر إليه العناصر المتطرفة داخل معسكره على أنه زعيم يفتقر إلى الحسم، ويلقون باللوم عليه عن «الجرأة» الإسرائيلية.

من ناحيته، صرّح وزير الداخلية الإيراني، الجنرال أحمد الوحيدي: «على إسرائيل أن تتوقع رداً مناسباً»، لكنه أضاف أن «القرار يجب أن يأتي من قائد الثورة»، أي خامنئي. وبالمثل، تعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بـ«الانتقام الساحق»، لكنه أصرّ على ضرورة أن يأتي القرار من خامنئي.

وعليه، يجد المرشد الأعلى نفسه «في موقف دقيق اليوم»، لقد خرقت إسرائيل الاتفاق الضمني الذي سمح لكلا الجانبين بقدرٍ معقول من القدرة على الإنكار بخصوص الهجمات بعضهما ضد بعض. وإذا لم يفعل شيئاً، فإنه ربما يشعل غضب مؤيديه الأساسيين. أما إذا أمر بشن هجمات على أهداف إسرائيلية و-أو يهودية، فلن يتمكن من إنكار تورطه. وهذا، مثلما لمح محلل التلفزيون الإسلامي، يمكن أن يعطي إسرائيل ذريعة لشن هجمات ضد أهداف كبيرة داخل طهران نفسها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وإسرائيل هل انتهت لعبة الإنكار إيران وإسرائيل هل انتهت لعبة الإنكار



GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 10:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران
المغرب اليوم - شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 11:20 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
المغرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا

GMT 02:57 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

3 مشروبات شائعة تُساهم في إطالة العمر

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أبرز الأماكن السياحية في مصر

GMT 17:04 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ديوكوفيتش يقترب من سامبراس ويحلم بإنجاز فيدرر

GMT 12:56 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الوداد ربح لقبا للتاريخ !!

GMT 22:00 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

إسماعيل الجامعي رئيسا جديدا للمغرب الفاسي

GMT 02:18 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نجمات هوليوود تحتضن صيحة "الليغنغز" الملون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib