بقلم : أمير طاهري
قبل أسبوعين فقط تصدرت الانتخابات العامة في لبنان عناوين الصحف في وسائل الإعلام الرسمية في طهران. وكان «المرشد الأعلى» علي خامنئي قد وصف الانتخابات بأنها «استفتاء على جبهة المقاومة»، وهو تحالف من الجماعات التي تسيطر عليها إيران، والتي تمتد جذورها إلى العراق، وسوريا، وشمال اليمن، وغزة، ولبنان. كما تبرع المرشد الأعلى علناً بمبلغ 25 مليون دولار إضافية لفرع «حزب الله» اللبناني لضمان انتصاره.
ونظراً ليقينها من تحقيق «نصر ساحق»، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى المقاطعة المضللة التي أعلنها رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، فقد بدأت وسائل الإعلام في طهران تكهنات حول من قد يختاره خامنئي رئيساً قادماً حال قرر لبنان استبدال رئيسه الثمانيني الحالي برئيس آخر. وكان الأمر قد أثير خلال الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس السوري لطهران ولقائه بخامنئي.
في الوقت نفسه، علق اللواء إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس» المفترض أن يحكم بلدان «جبهة المقاومة»، آماله على تحقيق نصر في لبنان، لتعويض الهزيمة الكبيرة التي عانى منها زملاؤه في الانتخابات العراقية في وقت سابق.
ومع ذلك، مع ظهور النتائج الرسمية، أدرك خامنئي وقاآني أن الناخبين اللبنانيين، أو 41 في المائة على الأقل الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع، قد حرموا طهران من «النصر الساحق» الذي كانت تأمل فيه.
وهذا يعني توجيه ضربة مزدوجة في اثنتين من العواصم العربية الأربع، التي يفتخر بها آية الله علي يونسي بأنها أصبحت الآن تحت سيطرة طهران، والعاصمتان الأخريان هما صنعاء ودمشق. كان السؤال هو؛ كيف ننقل الأخبار السيئة إلى الجمهور الإيراني المشغول حالياً بانتفاضة على مستوى البلاد ضد نظام الخميني؟
وصفت وكالة أنباء «فارس نيوز» الإيرانية الرسمية التي يسيطر عليها مكتب الرئيس الهزيمة بأنها فشل لحلفاء «حزب الله» المسيحيين والدروز، وليس الجماعة نفسها.
وعلى الرغم من حقيقة أن نسبة الإقبال بين الشيعة كانت أقل بنسبة 11 في المائة من متوسط انتخابين سابقين، فقد تفاخرت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) بأن التصويت الشيعي جاء لكل من «حزب الله» و«حركة أمل». وغني عن القول، إن النكسة التي عانى منها «حزب الله» في الجنوب، وهو تقليدياً معقل شيعي، لم يرد ذكرها.
من ناحية أخرى، حاولت وكالة «فارس نيوز» التي يسيطر عليها «الحرس الثوري» الإسلامي إغراق السمكة كما يقولون، بخفضها إلى المرتبة 13 في قائمة الأخبار. ومع ذلك، فقد أعطت النتائج على أساس الدائرة الانتخابية، تاركاً للقارئ، إذا كان صبوراً وجيداً في الرياضيات، أن يحسب النتيجة النهائية بنفسه. ولإعطاء لمحة عن غضب طهران، أشارت أيضاً إلى أنه بينما يمكن التسامح مع أغلبية جديدة في البرلمان اللبناني، فلن يُسمح لها بتغيير السياسة تجاه إسرائيل أو الولايات المتحدة. هل ستكون تهديداً باغتيال الأغلبية الجديدة في مجلس النواب اللبناني؟ من يدري؟
الأمر المؤكد هو أن غالبية اللبنانيين الناشطين سياسياً يسعون إلى انطلاقة جديدة للبلاد. ومن المؤكد أيضاً أن أيادي «حزب الله» وحلفائه قد تلطخت بالدماء، لكنهم ظلوا في مكانهم بفضل الدعم المستمر من الجمهورية الإسلامية.
مع دخول إيران نفسها ما يبدو أنه فترة جديدة من التوتر والأزمة، من المحتم أن يتضاءل هذا الدعم، ولكن من غير المرجح أن يتبخر بين عشية وضحاها. ربما لم يعد لدى «حزب الله» حق النقض (فيتو) على جميع القضايا الرئيسية، لكنه يحتفظ بالسلطة الكافية لتأخير وعرقلة المسار بشكل كبير، إلى إعادة بناء الاقتصاد اللبناني والنظام السياسي. تستخدم الجماعات المهزومة الموالية لطهران في العراق الحظر كتكتيك، ما يؤخر العودة إلى الحكم الطبيعي، ناهيك عن الشروع في إصلاحات طال انتظارها.
بمعنى آخر، لبنان لم يخرج بعد من المتاهة المميتة التي خلقتها له الجمهورية الإسلامية وحلفاؤها. قد تمنع تكتيكات التأخير تعيين رئيس وزراء جديد، ورئيس جديد لاحقاً، وهو ما يمنع ضخ المساعدات التي وعد بها صندوق النقد الدولي، ناهيك عن المستثمرين اللبنانيين والأجانب من القطاع الخاص.
إن طريقة التعامل مع تكتيك المماطلة هذا، يمكن أن تكون مناشدة مباشرة للمجتمع الشيعي الذي يعاني بنفس القدر من الانهيار الاقتصادي الناجم عن التدخل الأجنبي. ويشير كثير من الرسائل المباشرة وغير المباشرة من الشيعة داخل لبنان إلى سأم متزايد من مخطط يرى الدولة، على حد تعبير صحيفة «كيهان» اليومية في طهران، على أنها «درع للجمهورية الإسلامية» في إيران. لقد شهدت قطاعات كبيرة من المجتمع الشيعي أن الازدهار الذي حققته منذ الثمانينات يتلاشى نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أغرقت 70 في المائة من اللبنانيين في براثن الفقر.
نتائج الانتخابات بشرى سارة، لكثير من الأسباب، أهمها أنها تنهي الفصل المؤسف لميشال عون، وتسدل الستار على عهد سعد الحريري الذي دمر نفسه. قد يكون الرئيس العتيق نبيه بري أصبح أكثر حركة، إن لم يكن على الفور، فسيكون في الوقت المناسب. إن حقيقة أن 13 إلى 16 وافداً جديداً، ترشحوا مستقلين، وقد تمكنوا من دخول القلعة المغلقة للبرلمان، الذي يسيطر عليه عدد قليل من البارونات الفاسدين وغير الأكفاء، هي أيضاً أخبار سارة.
المهم الآن هو أن يقدم المجتمع الدولي للبنان حزمة مساعدات سريعة كمكافأة على اختياره التغيير. بعبارة أخرى، لا ينبغي للمجتمع الدولي أن يتلكأ ليترك المجال لـ«حزب الله» ليؤجل تشكيل الحكومة، ويؤخر صندوق النقد الدولي في تحرير الشيكات. الشيء نفسه ينطبق على المستثمرين الأجانب المحتملين الآخرين. فجعل مساعدتهم مشروطة بإبعاد «حزب الله» إلى الفناء الخلفي لن يكون إلا في صالح طهران التي تدعي أن لبنان لا يمكنه المضي قدماً بدون «حزب الله».
من غير المرجح أن تُنتزع السيطرة على كثير من مؤسسات الدولة، بما في ذلك الأمن، من «حزب الله» بين عشية وضحاها. وسيكون حل الجيش الموازي لـ«حزب الله» أمراً أكثر تعقيداً.
إن منح لبنان راحة عاجلة من آلامه الحالية، من شأنه أن يبعث برسالة إيجابية، مفادها أنه حتى الابتعاد الطفيف لـ«حزب الله» عن السيطرة الكاملة يمكن أن يؤتي ثماره بالنسبة للبنانيين العاديين. وهذا بدوره من شأنه أن يعزز الرسالة القائلة إن لبنان يمكن أن يؤدي بشكل أفضل دون وجود حصان طروادة سياسي - عسكري في وسطه.
لا شك أن «حزب الله» مرض، والسبب الرئيسي لحالة لبنان المؤسفة اليوم. لكن هذا مرض لا يمكن علاجه بالجراحة الفورية، حيث يتطلب علاجاً للمريض. يمكن أن تشير الانتخابات الأخيرة إلى بدء تلك العملية التي لا بد أن تتسارع من خلال التطورات الإيجابية في العراق، وفي إيران نفسها في نهاية المطاف.