لا يزال من المبكر للغاية أن نحدد كيف سيذكر التاريخ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ومع ذلك، فإن إحدى السمات المميزة التي ربما يكون قد فاز بها بالفعل أنه «سيد التوقيت». ويدعي أفراد الدائرة الضيقة المقربة منه أن قراره بالدعوة إلى عقد انتخابات عامة مبكرة، كان بمثابة ضربة معلم في التوقيت المناسب.
وتسير الحجة التي يطرحونها لتبرير ادعائهم هذا على النحو الآتي:
مع تصدر حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، استطلاعات الرأي في الانتخابات الأوروبية، رأى ماكرون الخطر المتمثل في إمكانية فوزه كذلك في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027. لذا، قرر تقديم موعد الانتخابات البرلمانية حتى يتمكن حامل لواء اليمين المتطرف، الشاب جوردان بارديلا، من الفوز بمنصب رئيس الوزراء، وفي غضون عامين، تتكشف حقيقته أمام الجميع بوصفه شخصية مقيتة تفتقر إلى الكفاءة. وبدوره سيتيح أمام أفراد معسكر ماكرون، «الماكرونيين»، الاحتفاظ بالرئاسة عبر الدفع بمرشح جديد خاص بهم.
وجدير بالذكر أنه في الانتخابات الأوروبية، حققت قائمة بارديلا فوزاً رآه الكثيرون «نصراً مذهلاً»، بنسبة تجاوزت 31 في المائة من الأصوات، وحصدت 30 مقعداً من أصل 81 مقعداً فرنسياً في البرلمان الأوروبي. في المقابل، لم يحصل ائتلاف الرئيس ماكرون سوى على 14.6 في المائة من الأصوات، أي 13 مقعداً. ورد الفعل الطبيعي في هذه الحالة قد يأتي في صورة «هذا سيئ للغاية، لكن ماذا الآن؟».
يعني نظام التصويت على جولتين إجراء 577 انتخاباً بدائرة انتخابية منفصلة، والتي تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل التي تتجاوز المبارزات الآيديولوجية المباشرة. وللفوز بالأغلبية، وبالتالي الحصول على حق تعيين رئيس الوزراء، يجب أن يفوز أي حزب أو ائتلاف من الأحزاب بما لا يقل عن 289 مقعداً. ولم يسبق وأن فاز أي حزب أو ائتلاف من الأحزاب بهذا العدد من المقاعد في الجولة الأولى من أي انتخابات برلمانية في فرنسا. وهذا يعني أنك بحاجة إلى شركاء في الائتلاف لضمان الأغلبية في الجولة الثانية. ومن دون ذلك، فإن الأصوات التي تحصدها في الجولة الأولى تبقى مجرد أوراق اقتراع مهدرة.
وزادت مارين لوبان بشكل مطرد حصة حزب «الجبهة الوطنية» من الأصوات في الانتخابات الرئاسية والأوروبية، لكن لم يحصل حزب «التجمع الوطني» على 89 مقعداً في الجمعية الوطنية، سوى عام 2022، ما يقل بكثير عن الـ289 مقعداً اللازمة للحصول على الأغلبية.
والتساؤل هنا: هل يمكن لبارديلا زيادة نسبة الـ31 في المائة التي فاز بها في الانتخابات الأوروبية إلى 51 في المائة التي يحتاج إليها للتعايش مع ماكرون بوصفه رئيساً للوزراء؟
تميل معظم الرهانات إلى أنه قادر على ذلك. أما أنا، فمن جانبي، فلست واثقاً من ذلك. في الواقع، بارديلا نفسه يقول إنه لن يقبل رئاسة الوزراء إلا إذا حصل على 289 مقعداً.
وإذا أضفنا نسبة الـ5.3 في المائة التي فاز بها «حزب إعادة الغزو» الآخذ في الاضمحلال الآن، سيظل حزب بارديلا أقل عن 40 في المائة. وإذا افترضنا أنه حصل على 4 في المائة أخرى من حصة «الحزب الجمهوري» المنقسم بشدة على نفسه، من الأصوات الأوروبية، والبالغة 7.3 في المائة، فإنه سيبقى عاجزاً عن الوصول إلى نسبة الـ51 في المائة اللازمة للفوز في 289 دائرة انتخابية.
ومع ذلك، يبقى كل هذا مجرد تفكير رياضي، وليس سياسياً.
جدير بالذكر أنه في الجولة الأولى من الانتخابات الأوروبية، لم يكسر حزب براديلا لوبان حاجز الـ51 في المائة من الأصوات في أي دائرة انتخابية. ومن ثم، فإن المعركة لا بد أن تجري في 577 دائرة انتخابية، والتي يخضع الكثير منها لسيطرة بارونات ديغوليين واشتراكيين وشيوعيين قدامى، والذين قد لا يكون من السهل زعزعتهم عن أماكنهم.
وعبر التلويح بالعلم الفلسطيني وتبني موقف مناهض لإسرائيل، تعتمد «الجبهة الشعبية الجديدة»، بشكل كبير، على الناخبين المسلمين الذين قد لا يختارون حزب «التجمع الوطني» المعادي للمسلمين على حساب الماكرونيين في الجولة الثانية.
ألن يتمكن ماكرون من جذب هؤلاء الناخبين في الجولة الثانية من خلال لفتات مناهضة لإسرائيل؟
في الواقع، استبعد ماكرون بالفعل 74 شركة إسرائيلية من معرض الأسلحة السنوي الذي يقام قرب فرساي. كما لمح إلى الاعتراف الرسمي بـ«دولة فلسطين» المفترضة.
وتشير التوقعات إلى أنه في 100 دائرة انتخابية على الأقل، ستضع الجولة الثانية إما مرشحاً ماكرونياً وإما مرشحاً عن «الجبهة الشعبية» في مواجهة مرشح من «التجمع الوطني». السؤال هنا: هل سيحاول الماكرونيون عقد صفقة مع «الجبهة الشعبية» لهزيمة حزب «التجمع الوطني»؟
بالنظر إلى أن «الجبهة الشعبية الجديدة» منقسمة على نفسها بالفعل حول من ينبغي ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء، فإن فرصها في الفوز بأغلبية المقاعد تبدو بالفعل أقل عن فرص «التجمع الوطني» أو ائتلاف ماكرون.
وفي 80 دائرة انتخابية أخرى، قد يواجه مرشح «التجمع الوطني» منافساً من «الجبهة الشعبية» في الجولة الثانية ـ فهل يرى ناخبو براديلا المناهضون لليسار أن الماكرونيين هم أهون الشرّين؟
في الواقع، فإن الانتخابات التي استدعاها من دون داعٍ، يمكن أن تتمخض عن برلمان معلق لا يتمتع فيه أي حزب بالأغلبية.
وقد يجعل ذلك فرنسا غير قابلة للحكم لمدة عام على الأقل، خاصة أنه لا يستطيع الرئيس حل البرلمان في غضون عام من قرار حل سابق. وبذلك، قد يسقط ماكرون ضحية لخطته.