جروح بداخلها سكين روسي

جروح بداخلها سكين روسي

المغرب اليوم -

جروح بداخلها سكين روسي

أمير طاهري
أمير طاهري

كان من المفترض أن تكون «مساحة التنفس» خمس سنوات يقوم خلالها الجاران المتحاربان بحل خلافاتهما وإقامة سلام دائم بمساعدة جارهما الكبير المؤثر.
ومع ذلك، بعد أشهر فقط من «الأخبار السارة» من قبل جميع الأطراف المعنية، أعادت أرمينيا و(الجمهورية السوفياتية السابقة) أذربيجان إشعال حربهما الحدودية في القوقاز، مع إبقاء القوات الروسية بعيدة عن الأنظار.

أشاد فلاديمير بوتين بوقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه مبعوثوه، ووصفوه بأنه «إنجاز عظيم»، وإشارة إلى أن روسيا - إذا أتيحت لها الفرصة - ستعمل صانع سلام، وليس صانع مشكلات، كما يزعم الاتحاد الأوروبي.

قد تبدو المبارزة في القوقاز غير ذات أهمية، وبعيدة جداً، ولا تستحق اهتماماً خاصاً من قبل العالم الخارجي الأوسع، وسيبدو الخلاف حول الجيب الصغير في «قره باغ» غريباً لا يستحق اهتماماً خاصاً.

إن «الحل المؤقت» الذي فرضته روسيا يحرم أذربيجان من السيطرة على الجيب، بينما يمنع سكانها من أصل أرمني من تطوير هياكل دولة عاملة. بعبارة أخرى، يظل الجرح مفتوحاً بسكين روسي مغروس بداخله يمكن تحريكه في أي وقت تشاء موسكو.

في الوقت نفسه، فإن «الحل المؤقت» يجعل كلا النظامين في باكو ويريفان معتمدين على القوة الروسية طيلة السنوات الخمس المقبلة على الأقل. كما أنه يُبقي تركيا خارج البلاد، وبالتالي يحرم أذربيجان من حليف إقليمي قوي. على الجانب الآخر، تُحرم أرمينيا من فرصة السعي للحصول على دعم ذي مغزى من القوى المتعاطفة المحتملة في أوروبا وأميركا الشمالية. وتستفيد موسكو أيضاً من وجودها العسكري الجديد في المنطقة، من خلال السيطرة على الحدود مع الجمهورية الإسلامية في إيران.

هل «الوضع» - كما نراه الآن - في منطقة القوقاز هو نموذج للسلوك الروسي في الساحة الدولية؟ يمكن الاستشهاد بكثير من الأمثلة لدعم الإجابة بـ«نعم».

في أوكرانيا، بعد ضم شبه جزيرة القرم، يتوخى بوتين الحذر بشأن جرعة دعمه للانفصاليين في دونيتسك، فهو يريدهم أقوياء بما يكفي لإبقاء أوكرانيا في حالة توتر، ولكن ليس أقوياء بدرجة تكفي لإنشاء دولة انفصالية كاملة.

يلعب بوتين لعبة مماثلة في مولدوفا، من خلال دعم الانفصاليين من أصل روسي إلى حد ما، ولكن ليس إلى الحد الذي يمكن أن يسمح لهم بإعلان الاستقلال الكامل.
تتشكل علاقة روسيا بجورجيا أيضاً من خلال الاختلاف حول الموضوع نفسه. فبعد ضم أوسيتيا الجنوبية رسمياً، لا تزال موسكو تحتفظ بوجود عسكري في أبخازيا، وهي جزء آخر من الأراضي الجورجية تم الاستيلاء عليه في عام 2008، بينما تقدم نفسها وسيطاً نزيهاً في البحث عن «حل دائم».

انتهزت موسكو فرصة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان لتعزيز وجودها العسكري في طاجيكستان المجاورة، ظاهرياً لمواجهة تهديد محتمل من «طالبان» عبر الحدود. ويهدف هذا إلى إبقاء «طالبان» في أفضل سلوك لها خوفاً من مواجهة روسيا بصفتها خصماً نشطاً. وفي الوقت نفسه، يضع نظام الرئيس الإمام علي الرحمن في دوشنبه تحت حماية روسية. وفي الأسابيع القليلة الماضية، استغلت موسكو بعبع «طالبان» لتعزيز «التعاون» العسكري في أوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان أيضاً.
ومن خلال إبقاء تلك الدول في أزمة مع جيرانها، يحقق بوتين أحد أهدافه الجيواستراتيجية، المتمثلة في منع توسع «الناتو» إلى أوروبا الشرقية ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى. ولأنه لن يُسمح لأي دولة في صراع مع جيرانها بالانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فمن المهم بالنسبة لروسيا أن تبقي كل تلك الجروح مفتوحة، بالإبقاء على سكينها مغروساً بداخلها.

الهدف الجيواستراتيجي الثاني لبوتين هو إلقاء كلمة لاسو حول الاتحاد الأوروبي، وحيثما أمكن تشجيع انشقاق بعض أعضائه. إن ممارسة ضغط القرب ضد جمهورية البلطيق هو جزء من تلك الاستراتيجية التي يجري اختبارها أيضاً باستخدام بيلاروسيا، بصفتها بديلاً لإحداث فجوات في الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مع جحافل المهاجرين المجندين في الشرق الأوسط.

إن النشاط الروسي في سوريا وليبيا، وتحالفه مع مصر في المسرح الليبي، محسوب أيضاً لممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي الذي يعتقد بوتين أنه في موقف ضعيف بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وخمس سنوات من عدم اليقين التي واجهتها الولايات المتحدة، حيث شهدت الدول تجربة الرئيسين دونالد ترمب وجو بايدن.
على مستوى آخر، فإن المسار الموالي علناً لروسيا الذي سلكته القيادة الخمينية في طهران يمنح بوتين ورقة أخرى للعب بأقل قدر ممكن من الاستثمار السياسي أو الاقتصادي الفعلي من قبل روسيا، ناهيك من الصفر.
الرسالة هي أنه من دون الاعتراف بمكانة القيادة الروسية، لن يكون هناك سلام واستقرار في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ومع تصرف الولايات المتحدة بشكل غريب خلال السنوات الخمس الماضية، أو نحو ذلك، وتعطيل الاتحاد الأوروبي بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم تتمكن الديمقراطيات الغربية من تطوير تحليل متماسك للتحدي الروسي، ناهيك من صياغة سياسة للتعامل معه. إن إرسال عدد صغير من القوات الأميركية أو البريطانية إلى جمهوريات البلطيق وبولندا قد يوفر بعض اللقطات الإخبارية التلفزيونية الخادعة، بينما قد يُنظر إلى الصخب وبث أخبار العقوبات على أنه علامة على الارتباك، وليس استراتيجية للوقوف ضد قوة مزعزعة للاستقرار.

تتمثل إحدى المشكلات في أن كثيراً من المحللين الغربيين يتظاهرون بأنه في التعامل مع التحدي الروسي، فإن الخيار يقتصر على الحرب الباردة الشاملة التي يمكن أن تتحول إلى مواجهة عسكرية أو استرضاء من النوع الذي دعت إليه أنجيلا ميركل حتى نهاية فترة ولايتها مستشارة لألمانيا.

تحتاج إعادة التفكير في استراتيجية التعامل مع روسيا إلى النظر في عدد من القضايا، بما في ذلك التطورات الداخلية التي قد تكون ضارة بها، رغم أنها مفيدة من الناحية التكتيكية لبوتين. اليوم، لا يواجه بوتين معارضة داخلية ذات مصداقية لأن أحداً لم ينجح في تطوير بديل موثوق لروايته. وبالتركيز على ألكسندر نافالني، أشارت القوى الغربية إلى دعمها لنسخة أخرى من القومية الروسية التي يزعم بوتين أنه النسخة الأصلية منها.

تتمثل إحدى مدارس الأفكار في دوائر صنع السياسة الغربية في دفع بوتين إلى الاختناق في مناطق مثل سوريا وليبيا والجمهورية الإسلامية في إيران ودونيتسك وما وراء القوقاز وبيلاروسيا التي عضها بأسنانه، لكنه لا يستطيع مضغها، ناهيك من هضمها. قد يبدو ذلك ذكياً من الناحية الميكافيلية، لكنه قد يكون كارثياً من منظور سياسات القوى الكبرى.

ورغم الإشارات الكثيرة الصادرة عن روسيا التي تشير إلى خوفها من صعود الصين وعدوانيتها، لم تحظَ القضية باهتمام كبير من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولا يزال إخراج روسيا من البرد، والاستعداد لإنهاء عقود من البوتينية، أحد أكبر التحديات التي تواجهها الديمقراطيات الغربية اليوم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جروح بداخلها سكين روسي جروح بداخلها سكين روسي



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:41 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
المغرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 08:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
المغرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 19:05 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

باسم سمرة يكشف تفاصيل شخصيته ضمن أحداث مسلسل العتاولة 2
المغرب اليوم - باسم سمرة يكشف تفاصيل شخصيته ضمن أحداث مسلسل العتاولة 2

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
المغرب اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد

GMT 03:24 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تكتشف أكبر منجم للذهب في العالم

GMT 19:00 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"مايكروسوفت" تؤجل إطلاق متجر إكس بوكس ​​لـ "أندرويد"

GMT 14:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصار الجيش الملكي يعمق جراح الرجاء

GMT 06:00 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة كارول سماحة تدعم التظاهرات بأغنيتها "لبنان"

GMT 04:07 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

توقعات بانخفاض أسعار السيارات الكهربائية خلال عامين

GMT 07:27 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد العثماني يقتني سيارات كهربائية باهظة السعر للوزراء

GMT 09:57 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

وثيقة تكشف رحيل بنشرقي عن الوداد إلى الهلال السعودي

GMT 23:43 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أنظار الملايين من محبي كرة القدم تتجه نحو الكويت
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib