بقلم : منى بوسمرة
تغتني مكتبة الشيخ محمد بن راشد بإصداره الجديد «قصتي»، الذي يعرض فيه قصة خمسين عاماً من العطاء المتميز، أسهمت في بناء الدولة، وشيدت بنيان دبي، ومنحتها هويتها الإماراتية المشرقة، وشخصيتها العالمية العصرية، وجعلتها نموذجاً يتوخى العالم دراسته وتأمله، وتجربة فريدة تلهم الآخرين، وتمنحهم الأمل بجدوى العمل والاجتهاد.
في «قصتي»، يصطحب الشيخ محمد الإنسانية في رحلة إلى عالم الإيجابية، حيث لا أمل دون عمل، ولا وجود لفكرة لا تقود إلى تخطيط، ولا إنجاز دون جدوى واقعية تغيّر المكان وتطوّر حياة أهله، وتُحدث فرقاً في شعور الإنسان بإنسانيته ومسؤوليته في الإعمار، وتحيي النفوس وتشحذ الهمم في هذا العالم، الذي يتسع بالمحبة والتسامح، ويغتني بالفكر.
هذا ما يمثله عالم دبي. التجربة الفريدة، التي ينجح كثيرون في رؤيتها بصورتها الحقيقية، فيسعون إلى استيعاب دروسها، وقراءة تجربتها، واستلهام فكرتها، فيحجزون بذلك لأنفسهم مسارب على درب الإسهام الحضاري. يضعون بصماتهم على وجه الأرض، وفي قلوبهم دانة الدنيا، حاضرة عالمية، تحتفي بالنشاط الإنساني الذي يحركه طموح لا يتوقف، فيتعالى بنيانها بقدر ما تسمو أفكارها، وتنجح خططها بقدر ما تعمل لأجلها، وتصيب رهاناتها بقدر ما تدخر لها من أسباب فلاح ونجاح، فهي، من قبل ومن بعد، ليست لمعة حظ.
وهناك، من وصفهم الشيخ محمد، في واحدة من ومضات فكره، حينما قال إن الناس إذا أرادوا التقليل من نجاحك قالوا محظوظ؛ وهؤلاء، الذين يعتقدون بالحظ، ولا يرون سواه في تجربة دبي الفريدة، يمكنهم أن يقلّبوا صفحات «قصتي»، الذي يميط فيه اللثام عن الفكر والتجربة، وعن القيادة والكفاءات التي تكمن وراء نموذج دبي الفريد، وصنعتها، وجعلتها نبعاً لا ينضب، ولا يدانيه الحظ، في صنع النجاح والريادة، والابتكار وشق الطرق المبتكرة.
لقد جاء كتاب «قصتي»، ليُظهر الجانب المخفي العظيم من تجربة دبي، التي لم يصنعها الحظ، ولا ابتسامات القدر، ولكنها شُغلت بفكر، ورُسمت بخطط، وأُنجزت بالكد والعمل، واغتنت بالإرادة والقيادة، وهو مستودع حكمة تبتدئ بالاتحاد، الذي لا شخص أكبر منه، ولا حلم أعظم من ترسيخه، ولا طموحات إلا لمصلحته، ولا تنتهي بدولة الإمارات، التي لا قوّة يمكن أن تقفَ أمام إرادة شعبها وقيادتها، التي ترى في المستحيل مجرد وجهة نظر.
في «قصتي»، يتناهى إلينا صوت الآباء المؤسسين، فها هو الشيخ راشد بن سعيد ينصحنا بـ«الابتعاد عن ضوضاء السياسة وتشابكاتها ومعاركها الصفرية»، ويخبرنا أنها «لم تصنع لنا نحن العرب شيئاً». كما يستذكر الشيخ زايد بن سلطان، فيقول: «الناس نوعان: زائد على الحياة وزائد فيها، وزايد بن سلطان من النوع الثاني؛ زاد إلى حياته حياة شعب، وأضاف لمسيرته إحياء أمّة، ونفع بحكمته وحنكته ملايين البشر، هذا هو الخلود الحقيقي».
ويبلغ الشيخ محمد ذروة في احتفائه بـ«الاتحاد»، فيقول: «كل شخص يذكر لحظة ولادة مولوده الأول، يذكر لحظة ولادة حبه الأول، ويذكر وظيفته الأولى، وأنا أذكر لحظة ولادة دولة الإمارات العربية المتحدة». وهذه اللحظة، وحدها ولوحدها، تعد بالكثير.
في القراءة الأولى لقصة الشيخ محمد وجدت نفسي في مكتبة عامرة بالحياة، والفكر والتجربة والخبرة والرؤية، التي صنعت مزايا الإمارات ودبي، من النهضة والعمران إلى أسلوب الحياة والعمل. وفيها يروي صاحب القصة سيرة الإمارة وأهلها وقيادتها، واختياراتهم الاستراتيجية، ورهانهم الدائم على العمل ومفرداته التي قادتهم إلى المخاطرة في ميدان التنمية واختيار الاقتصاد على السياسة، فأصبحوا أهل ازدهار، وصناع أمل.