كنتُ أظن أن «السيدة العجوز» لقب لفريق فوتبول بريطاني، ربما لأن مهد هذه الرياضة كان بريطانيا، لكنه منسوب إلى فريق «جوفنتوس» الطلياني، أحد أعرق الفرق في بلاده الأشبه، جغرافياً، بجزمة طويلة الرقبة.
.. لا بأس، فإن أوروبا تُنعت بالقارة العجوز، عدا عن أن خارطة المملكة المتحدة U.K تبدو أشبه بعجوز مقعية! كلنا نعرف أنها بلاد الثورة الصناعية التي أوحت لكارل ماركس كتابه الأشهر عن الرأسمالية، وأن برلمانها، مجلس العموم، من أقدم برلمانات العالم، وكذا نظامها الملكي الدستوري.. وأنها تحمل اسم اللعنة «وعد بلفور».
كانت بريطانيا بلاد النقابات القوية، حتى حطّمتها رئيسة وزراء تدعى مرغريت ثاتشر، أو «المرأة الحديدية»، ومن قبل ذلك ومن بعد يتعاقب على حكمها حزبا المحافظين والعمال، والأول فاز العام 2016 في استفتاء على الخروج البريطاني من الاتحاد، المسمى «بريكست»، ومنذ ذلك فشل ثلاثة رؤساء للحزب في تمرير شروط خروج على مجلس العموم، وثالثهم هو بوريس جونسون، الذي فضّل انتخابات عامة على استفتاء ثان.
انتخابات 12 الشهر الجاري، ربما كانت أهم انتخابات بريطانية، لأن التنافس القديم بين الحزبين، يبدو بين حزب زعيم يميني لحزب المحافظين، بوريس جونسون، وزعيم اليسار في حزب العمال جيرمي كوربين.
بين استفتاء البريكست 2016 والانتخابات العامة، تداول ثلاثة رئاسة المحافظين، لكن في العام 2015 انتخب اليساري جيرمي كوربين لرئاسة حزب العمال، بفضل الجناح اليساري الشاب، في انعطاف على رئاسة زعيم الحزب اليميني، توني بلير، وتلاه انتخاب اليهودي إد ميليباند.
حسناً، في جنازة أرئيل شارون ارتدى بلير قبعة «الكيباه» على رأسه، والآن فإن اليساري كوربين يتعرض لحملة تشهير تتهمه باللاسامية، خاصة بعد مؤتمر الحزب في مدينة برايتون، الذي أدرج في برنامجه الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية حال فوزه.
لحزب المحافظين في مجلس العموم الحالي 317 مقعداً ولحزب العمال 187 مقعداً، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة سجلت تقدماً للحزب الأخير، وانخفاضاً للحزب الأول، الذي يبدو أنه سيفوز، لكن ليس بغالبية كاسحة.
يتحالف حزب المحافظين مع حزب الوطنيين الأحرار في مسألة «بريكست» لكن ليس في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما يتحالف حزب العمال مع الحزب الوطني الأسكتلندي، وحزب الخضر المعارضين لـ «بريكست» والمؤيدين للاعتراف بدولة فلسطينية.
في 26 تشرين الثاني سارع الشباب لتسجيل أسمائهم، بأعداد قياسية، في سجل الناخبين، وخاصة لحزب الخضر، الذي يرفع شعار أن تأييد «بريكست» يشكل كارثة بيئية عالمية، لذا فالهدف هو الحيلولة دون فوز المحافظين والحصول على غالبية مقاعد مجلس العموم.
معظم البريطانيين اليهود يصوتون، عادة، إلى حزب العمال، كحال معظم الأميركيين اليهود يصوتون إلى الحزب الديمقراطي، لكن كبير حاخامات البريطانيين اليهود، افرايم ميرفيس، يدعي أن كوربين ميّال للاسامية، ويصرح أركان حكومة نتنياهو بمخاوفهم من خطر اعتراف حزب العمال بدولة فلسطينية.
أيضاً، ادعى الرئيس الأميركي ترامب، مؤخراً، أن تصويت يهود أميركا للحزب الديمقراطي يعني كراهية لإسرائيل، بينما هو يشكل الداعم الأكبر لها في تاريخ الرؤساء.
في كانون الثاني، مطلع العام الجديد، سوف يناقش وزراء الاتحاد الأوروبي الموقف من الاعتراف الجماعي بدولة فلسطين، في ضوء مذكرة وزير خارجية لوكسمبورغ أصغر دول الاتحاد الـ27، الاعتراف بفلسطين، علماً أن زعيم حزب المحافظين الأرستقراطي، خريج كلية ايتون للنخبة الفتية، حدّد هذا الشهر للخروج من الاتحاد.
ترامب كثير الأكاذيب، وأيضاً، فإن حليفه جونسون معروف بالكذب، لأن اسمه الحقيقي ليس بوريس بل اليكس، وهو عنصري أبيض كحال ترامب، وأيضاً، مثل نتنياهو كاره الفلسطينيين في إسرائيل.
موقف الاتحاد الأوروبي الرسمي هو تأييد «حل الدولتين» ومعارضة سياسة الاستيطان اليهودي، بما في ذلك بالقدس الشرقية، وانتقدت خمس دول أوروبية أعضاء في مجلس الأمن هي: فرنسا وبريطانيا (العضوان الدائمان) وألمانيا وبلجيكا وبولندا، تصريح وزير الخارجية الأميركية، بومبيو، بأن الاستيطان لا يتعارض والقانون الدولي، دون الإشارة بالاسم للولايات المتحدة.
ما دور انتخابات بريطانية في مسألة الاعتراف بفلسطين؟ من المستبعد أن يفوز حزب العمال، لكن من المستبعد كذلك أن يسيطر حزب المحافظين بأغلبية كاسحة على مجلس العموم، ومن ثم فإن حكومة ائتلافية جديدة ستأخذ موقفاً وسطاً من تأييد «حل الدولتين» إلى موقف اللامعارضة بقيام دولة فلسطينية، وهذا قد يؤثر على موقف بقية دول الاتحاد الأوروبي.
لكن، إذا حصل المستبعد وفاز تحالف العمال والأسكتلنديين والخضر، فإن الاعتراف بفلسطين سوف يجرّ دول الاتحاد إلى خطوة مشابهة، خاصة إذا دعمت أميركا الترامبية مطالب نتنياهو بضم الأغوار والمستوطنات.
من جهة أخرى، صوّتت غالبية مجلس النواب في الكونغرس لصالح «حل الدولتين» ورفض الاستيطان والضم الإسرائيلي «وبما يضمن تحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته»، وهو ما وصفته الصحف الأميركية بأنه «صفعة» لسياسة إدارة ترامب.
رهان الانتخابات البريطانية حول «بريكست» خاص بالناخب البريطاني، وكذا بالاتحاد الأوروبي. لكن رهان حزب العمال على الاعتراف بفلسطين هو رهان الفلسطينيين على الاعتراف الأوروبي بحق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته الخاصة، كما جاء في رسالة وزير خارجية لوكسمبورغ!