هل أقول: إذا أدخلنا الصورة داخل الإطار، أن التهدئة في غزة تمهّد لهدنة، فإن مهّدت العملية الجارية لإدخال الصورة الحمساوية في إطار المصالحة، فإن هذه قد تكون أوسلو حمساوية؟
أوسلو الأولى كانت ثنائية وسرية ولها وقع المفاجأة وفحواها: غزة + أريحا. أمّا أوسلو الثانية فكانت علانية ومتعدّدة الأطراف، وجرت في القاهرة، بحضور رئاسي مصري وأميركي، وفحواها توسيع أوسلو الأولى، إلى تسليم إسرائيل مدن الضفة، عدا الخليل آنذاك، إلى السلطة الفلسطينية، وتقسيم الضفة إلى: ألف، باء.. وجيم.
القاهرة كانت وسيطاً في إنهاء الحروب الحمساوية ـ الإسرائيلية الثلاث، وخاصة حرب العام 2014، وهي التي تدير وساطة التهدئة، كما وساطة صلحة "المطالحة" العسيرة هذه.
جديد الوساطة المصرية، كما يقول خليل الحيّة، عضو (م.س) "حماس" ذات أربع مراحل، تعالج ثلاث مسائل مترابطة، وُصفت بأنها قريبة من البرنامج السياسي للرئيس عباس: تهدئة، مصالحة.. ومشاريع تعويم غزة، وهي تتجاوز اتفاقيات العامين 2011 و2017 بين "فتح" و"حماس".
الجديد الآخر في الوساطة الجديدة أنها متعددة الأطراف، وهناك دور فيها لمبعوث الأمم المتحدة، نيكولاي ميلادينوف، وكذا لدولة قطر المشاركة سابقاً، وحتى لروسيا أيضاً، وبالتأكيد للاتحاد الأوروبي.
عادةً، إذا تعدّدت الأيدي في إعداد الطبخة شاطت أو "شوشطت"، لكن ما يبدو "لغوصة" قد تكون مدخلاً إلى تحويل "المطالحة" إلى مصالحة، يُقال إن بنودها سيتم تنفيذها خلال 10 أسابيع.. لا غير؟
مع أن مفاوضات المصالحة، جرت في أماكن عدة: السعودية، قطر، تركيا. وحتى في غزة ذاتها مثل مفاوضات مخيم الشاطئ، لكن رام الله السلطوية أصرت دائماً على تركيز وساطة المصالحة في يدي مصر، لأن الأقربين إلى غزة والسلطة أَوْلَى بالمعروف.
كانت غزة الحمساوية قد استقبلت رئيس المكتب السياسي السابق، خالد مشعل، بعد وساطة أمنية قطرية على ما يبدو، لكن هذه المرة تواجد في غزة جملة قيادة "حماس" في الداخل والخارج، بعد ضمانة أمنية مصرية وافقت عليها إسرائيل، خاصة تواجد صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بإدارة عمليات "حماس" في الضفة الغربية!
كما نعرف، عارضت "حماس" اتفاقية أوسلو، كما عارضتها فصائل في (م.ت.ف)، وعارضت انتخابات عامة، رئاسية وبرلمانية، في العام 1996. لكنها، وبقية الفصائل المعارضة، شاركت في انتخابات العام 2006، أي انخرطت في عملية أوسلو.
قبل انخراطها طرحت "حماس" على إسرائيل فكرة "هدنة ممتدة" لسنوات طوال، وكان هذا حتى قبل الانسحاب الشاروني الأحادي، العسكري والمدني ـ الاستيطاني، من قطاع غزة.
الآن، يبدو أن التهدئة تمهد لهدنة، إذا التزمت إسرائيل "بحلحلة" الحصار، وكفّت "حماس" عن محاولات "كسر الحصار" التي كانت ذروتها، منذ نهاية نيسان المنصرم، في مسيرات "العودة الكبرى" التي انتهت بـ"مخيم العودة" كل يوم جمعة، وكان سلاحها الجديد هو الطائرات الورقية الحارقة، التي لم تجد إسرائيل لهذا الأسلوب الجديد حلاً أمنياً، وهدّدت بجولة حرب رابعة إن لم يتوقف.
إسرائيل لم تتوقف عن بناء الجدار الأمني التحتاني، ولا عن الجدار البحري بل سرّعتهما، و"حماس" بدورها لم تتوقف عن التمسك بشروط صفقة تبادل أسرى وجثث، وجرى التفاهم على تأجيلها إلى مرحلة لاحقة من هذه التهدئة.
يُقال، إن الورقة المصرية، رباعية المراحل، ستبدأ بتسلم حكومة الوفاق مسؤولياتها بشكل كامل ولكن "ضمن الهيكلية الإدارية "الحمساوية" الموجودة في غزة"، وفي المرحلة الثانية ستتم معالجة ملف الموظفين ولكن "وفق مخرجات اللجنة القانونية ـ الإدارية السابقة"، والثالثة اتفاق أمني بين الأجهزة الأمنية السلطوية ونظرائها في غزة، أي إشراف حكومة الوفاق على الشرطة والدفاع المدني وتوفير رواتبها من حصيلة رواتب تجمعها السلطة المركزية، لأن جباية المعابر ستكون تحت إشرافها بالكامل.
حقاً، صاح ديك "المصالحة" عدة صيحات في فجر كاذب منذ 11 سنة، وهذه المرّة قد يصيح في فجر حقيقي، ولو أن الناس "متشائلة" لكثرة ما مرّ عليها من خيبات أمل!
حسب الورقة المصرية، رباعية النقاط، سيتم تنفيذ بنود الورقة خلال عشرة أسابيع.. ألهذا الموعد صلة بقول رئيس السلطة أنها أمام خيارات مصيرية في غضون الشهرين المقبلين؟
.. وما علاقة هذه المواعيد بتأجيل أميركا طرح "الصفقة" شهرين آخرين، لأسباب أميركية وإسرائيلية، أي انتخابات الكونغرس النصفية، وخوف أميركا على نتنياهو إن قَبِل الصفقة، وخاصة حال موافقته على اعتبار "أبو ديس" عاصمة لفلسطين، الأمر الذي قد يفكفك حكومته بانسحاب "البيت اليهودي" منها.
.. علماً أن السلطة وحماس تتفقان على معارضة هذه "الصفقة" ولا تستطيع الدول العربية المجاورة (مصر والأردن) رسمياً في الأقل، قبولها إن لم تقبلها رام الله.. ولا حتى السعودية كما يُقال.
يعرف قرّائي أنني أقلّ من خاض قلمه في مسيرة "المطالحة" هذه.. وهذه المرّة "أخشّ" فيها أُقَدِّم رِجْلاً، وَأُؤَخِّر أُخرى.. فلعلّ وعسى يصيح الديك في فجرٍ حقيقي!