شرف الأسرة الدولية والوحل السوري

شرف الأسرة الدولية والوحل السوري!

المغرب اليوم -

شرف الأسرة الدولية والوحل السوري

بقلم - راجح الخوري

يوم الثلاثاء الماضي قال الرئيس إيمانويل ماكرون أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إن الضربات العسكرية الأخيرة الأميركية والفرنسية والبريطانية على مواقع النظام السوري «لا تحلّ شيئاً، لكن الدول الثلاث تدخلت حفاظاً على شرف الأسرة الدولية؟».
هكذا بالحرف: شرف الأسرة الدولية، لكن يجب بالضرورة أن نضيف، وشرف الشرعية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن ذلك لا يمنع من طرح السؤال الموجع: ماذا بقي أصلاً من هذا الشرف، بعد سبعة أعوام من الحروب الكارثية، التي دمرت سوريا وسقط فيها ما يقرب من نصف مليون قتيل، وتهجّر أكثر من 12 مليون سوري، واستهلكت منذ عام 2011 بعثة المراقبين العرب ورئيسها السوداني محمد علي الدابي، ثم بعثة المراقبين الدوليين ورئيسها النرويجي روبرت مود، ثم المبعوث كوفي أنان، ومن بعده الأخضر الإبراهيمي، وأخيراً ستيفان دي ميستورا الضائع هو ومؤتمرات جنيف التسعة، بين مسلسلي آستانة وسوتشي؟
حفاظاً على شرف الأسرة الدولية، في وقت تقول السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، إن النظام السوري، استعمل قبل مذبحة دوما الأخيرة، السلاح الكيماوي 50 مرة، رغم التزام الرئيس فلاديمير بوتين بعد مذبحة الغوطتين في سبتمبر (أيلول) من عام 2013 بأن يسلّم النظام السوري ترسانته من الأسلحة الكيماوية الممنوعة دولياً، وفي وقت تشتبك مع زميلها الروسي فاسيلي نيبينزيا، بعدما استعملت روسيا حق النقض 12 مرة لتعطيل قرارات الشرعية الدولية في مجلس الأمن، منها ست مرات تتعلق باستعمال السلاح الكيماوي!
طبعاً، لا داعي إلى الإفاضة في الحديث عن شرف الأسرة الدولية الغارق في الوحول السورية وغيرها، لكن من الضروري أن نلاحظ أمرين؛ شكلياً ذا دلالات، وجوهرياً ذا تأكيدات: 
الأول، هو ذلك العناق الحار بين نيكي هيلي وزميلها الروسي فاسيلي نيبينزيا، فور انتهاء جلسة مجلس الأمن، التي تبادلا فيها الاتهامات وحتى التهديدات إلى درجة عمقت المخاوف الدولية من انفجار الوضع العسكري بين الولايات المتحدة وروسيا، بعدما أعلن الرئيس دونالد ترمب رداً على التهديدات الروسية بإسقاط أي صاروخ يستهدف دمشق: «استعدي يا روسيا الصواريخ الأميركية قادمة وهي ذكية وجميلة وجديدة»، وهذا العناق يجد مبرراته والتفسيرات في التصريحات الأميركية والفرنسية والبريطانية بعد الضربة الثلاثية على ثلاثة مواقع كيماوية!
أما الآخر، وهو الجوهري، فهو ما كشفته هذه التبريرات والتفسيرات التي أكدت أن تنسيقاً عميقاً وتفصيلياً جرى بين موسكو وواشنطن وباريس ولندن، قبل ثلاثة أيام من العملية، حول الأهداف التي ستتعرض للقصف والتي جرى تفريغها وتحضيرها لاستيعاب الضربة، حيث لم يقع سوى ثلاثة جرحى كما أعلن!
في هذا السياق، قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، إنه تم التنسيق مسبقاً مع الروس لتفادي التصادم في الأجواء السورية، وإنه تم قصف ثلاثة مواقع للأسلحة الكيماوية «وليس لدينا أي علم بأي ردٍ من دفاعات النظام الجوية»، وقد تم انتقاء الأهداف، على ما تشير الوقائع، بالتنسيق مع الروس وهي: مركز برزة للأبحاث العلمية قرب دمشق، ومخزن حيم شنشار لتخزين الأسلحة قرب حمص، ومخزن آخر لتخزين سلاح غاز السارين في حمص، وهنا يطرح الخبراء العسكريون سؤالاً لافتاً: لماذا لم يتم قصف موقع جمرايا المهم التابع لمركز البحوث الكيماوية، هل لأن الروس تأخروا في إخلائه كما يقّدر هؤلاء الخبراء؟
الموقف الفرنسي أكد عملية التنسيق مع روسيا عندما أعلنت باريس صراحة أنه تم إبلاغ الروس مسبقاً بالضربات، وأن موسكو بناءً عليه، لم تستخدم أنظمتها للدفاع الجوي لمواجهة الصواريخ الغربية، رغم كل ما كان قد أعلن عن استعدادات في مواقع «إس إس 300»، في حين حرصت الرئاسة الفرنسية على الإعلان أن الرئيس ماكرون الذي كان قد مد يد التعاون إلى موسكو قبل الضربات، لا يزال يعتزم القيام بزيارة مرتقبة إلى موسكو!
والمفارقة، أن «شرف الأسرة الدولية» الذي تحدث عنه ماكرون، ضاع وسط هذه الفوضى المنظمة، فليس من المبالغة القول إن الجميع خرجوا راضين؛ النظام السوري أثبت تماسكه، وتعمّد بث شريط للرئيس الأسد يدخل صباح اليوم الثاني بكامل قيافته إلى القصر الجمهوري حاملاً حقيبة اليد، لكن من دون مرافقين أو حراس، وموسكو لم تتردد في التباهي عندما أعلن رئيس العمليات سيرغي رودسكوي، أنه تم اعتراض 71 صاروخاً مجنحاً عبر منظومات الدفاع الجوي السورية القديمة السوفياتية الصنع، ولم تستعمل منظومة «إس إس 300» و«إس إس 400» من قاعدة حميميم، خلافاً لقول ماتيس إنه لم يطلق أي صاروخ دفاعي. أما ترمب فأشاد بالضربات على طريقة جورج بوش الابن بعد غزو العراق عام 2003: «المهمة أنجزت»!
المثير في الأمر هو الإجماع الذي ظهر في المواقف الأميركية والفرنسية والبريطانية بعد الضربة، والذي يكشف عن رهانات على إحياء مسار جنيف والعودة إلى المفاوضات السلمية، وعلى أن تقوم موسكو بالضغط على الأسد كي يقبل العودة إلى التفاوض، وفي هذا السياق أعلنت واشنطن أنها ستضغط من أجل إجراء محادثات برعاية الأمم المتحدة، وأنها تواصل العمل بقوة مع مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا، وكذلك مع موسكو من أجل السير قدماً في العملية السياسية «والتوصل إلى تسوية سياسية مع التركيز على أمرين؛ الإصلاح الدستوري، وانتخابات حرة وعادلة بإشراف الأمم المتحدة».
هنا يغيب الحديث كلياً عن «عملية الانتقال السياسي» التي عطلت الحل منذ البداية في مؤتمر «جنيف1» عندما فخخ سيرغي لافروف النص الذي يشير إلى دور الأسد بعد الحل السياسي، وبدورها أعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي مباشرة بعد الضربة الثلاثية، أن العملية العسكرية وحدها لا تكفي، والأمل الأفضل للشعب السوري يبقى الحل السياسي، أما بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني فقد كان واضحاً أكثر عندما قال في اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين: «إن العملية الثلاثية ليست محاولة لتغيير دفة الحرب أو لتغيير النظام، وسيستمر الضغط على الأسد من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات»، هذا في حين كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، يعلن أن باريس تريد استعادة المبادرة لضمان الاتجاه نحو تسوية سلمية للأزمة السورية!
بعد كل هذا، هل كثير القول رداً على هذه المراهنات الغربية على العودة إلى تسوية سياسية «يا حصرماً رأيته …» ما لم تتم هذه التسوية عبر الشروط الروسية أولاً وشروط الأسد ثانياً، وحسابات الإيرانيين حول دمشق والأتراك في الشمال… وهو ما يمكن أن يدفع إلى القول: إن شرف الأسرة الدولية الذي يتمرغ في الوحول السورية منذ سبعة أعوام قد يتمرّغ سبع سنوات أخرى؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شرف الأسرة الدولية والوحل السوري شرف الأسرة الدولية والوحل السوري



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 17:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب
المغرب اليوم - «حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

GMT 11:20 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
المغرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
المغرب اليوم -

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل

GMT 14:45 2016 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني بطلة جي مورجان للإسكواش للمرة الأولى

GMT 05:25 2015 الأربعاء ,14 كانون الثاني / يناير

11 حالة إغماء داخل مؤسسة تعليمية في تمارة

GMT 11:44 2014 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

عمر القزابري يحيي حفل تأبين الوزير الراحل باها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib