بقلم : شهاب المكاحله
صح ما توقعناه من أن لزيارة جلالة الملك عبدالله الثاني يداً في تجنيب الجنوب الغربي من سوريا حرباً ضروساً تحرق الأخصر واليابس نظراً لقرب المسافة الفاصلة بين الجيشين السوري والإسرائيلي وانعكاس ذلك وتداعياته على الأردن. فبعد توجس وحذر وخيفة من انفجار الوضع في هضبة الجولان نجحت الزيارة السابقة لجلالة الملك لواشنطن في تحييد من أُطلق عليهم “ذوي الخوذ البيضاء” من منطقة القنيطرة المحاذية لإسرائيل وإجلائهم وعائلاتهم إلى الأردن ثم سيصار إلى ترحيلهم إلى دول ثلاث: المملكة المتحدة وألمانيا وكندا.
بدا هذا السيناريو هو الأقرب خصوصاً مع تقدم وحدات الجيش السوري الضاربة في الجنوب الغربي من سوريا وما قد يسفر عنه ذلك من توتر في داخل إسرائيل وإعلان حالة الطوارئ. سيناريو الإجلاء ما كان ليتم لولا الاتفاق الروسي الأميركي على صيغة سياسية لمؤتمر الأستانة الذي سيعقد في 30 يوليو 2018 بمشاركة وفد من الحكومة السورية والمعارضة السورية التي تقبل بها الحكومة السورية التي باتت لها اليد العليا اليوم في ساحة المعركة.
سيناريو الجنوب قد يتكرر في منطقة خفض التصعيد الرابعة وهي أرياف اللاذقية وإدلب وحلب وحماه ومدينة إدلب مع تدخل محدود للجيش السوري إذ ستصر كل من سوريا وروسيا على ضربة جوية وشيكة تأتي على البشر والحجر فلا تبقي ولا تذر وهي سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الروس في حرب الشيشان. وهناك فرصة قليلة للمصالحة كون من تم ترحيلهم من باقي المحافظات السورية الى إدلب هم من رفض التسوية مع الحكومة السورية.
إذا فالصراع السوري بدأ يأخذ مآلات جديدة أوجدها التدخل الدولي والإقليمي المباشر في هذا الصراع. تلك التغيرات تسبب بها تدخل الجيش الروسي الذي نجح في تجنب الفخ الذي وقعت به قوات الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في السبعينيات من القرن الماضي. فبوتين لا يحارب الإرهاب في سوريا بل هو في صراع مع الغرب لتثبيت رحى الثنائية القطبية العالمية. وما وصوله إلى مياه المتوسط إلا للضغط على أوروبا من الجنوب والشمال والشرق والضغط على دول تجاور روسيا كان يمكن أن تشكل حاضنة للضغط على روسيا الاتحادية يوماً ما بضغط من حلف (الناتو)، وتلك الدول هي التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي.
وبالعودة إلى إدلب التي تشكل اليوم حاضنة للمسلحين من كافة الفصائل ومنها المتطرفة فإن السيناريو المزمع لها هو إما السحق بضربات لا هوادة فيها أو استسلام هؤلاء الجهاديين للقوات السورية. فقرارالسحق للعناصر المسلحة قد اتخُذ وهنا لن تنفع التحصينات التي يبنيها من يسمون بالثوار في مقاومة سلاح جديد قد تستخدمه روسيا في إدلب يحيل المدينة إلى “قاع صفصفاً”.
ونظراً لخوف تركيا من المعركة القادمة التي إن حصلت فستكون في أيلول القادم، فإن الحكومة التركية قد تقدمت بورقة أسمتها “الورقة البيضاء لحل قضية إدلب” لأن جل ما تخشاه أنقرة هو أن تلعب كل من إيران وروسيا على ورقة منطقة خفض التصعيد الرابعة.
وتضمن الورقة البيضاء إعادة التيار الكهربائي والمياه والمرافق الخدمية الرئيسة وفتح الطريق الدولي بين حلب ودمشق وإزالة السواتر والحواجز الإسمنتية والترابية من دارة عزة إلى منطقة حلب الجديدة. وتزامنت هذه الورقة مع دعوة تركية لكل الفصائل والهيئات وعلى رأسها: هيئة تحرير الشام أو “النصرة” سابقاً وحكومة الإنقاذ- الإئتلاف الوطني السوري وكافة الفصائل إلى مؤتمر عام يتم عقده قبل 10 أغسطس لمناقشة وضع إدلب ومستقبلها خشية من تكرار سيناريو الجنوب في إدلب وما لذلك من تداعيات على تركيا نفسها.
وكانت القيادة التركية قد طلبت من روسيا يوم السبت الموافق 21 يوليو 2018 موافقتها على تلك الورقة البيضاء وتعهدت تركيا بأنها ستضغط على كافة الفصائل المسلحة في إدلب تسليمها السلاح الثقيل والمتوسط ومن ثم دمج تلك الفصائل في جيش واحد يسمى الجيش الوطني ويكون ذا طبيعة خدماتية بإشراف تركي.
وأعلمت الحكومة الروسية الحكومة التركية أن تلك الورقة تصلح في حال كان الجيش السوري ضعيفاً ولا حول له ولا قوة لأن تنفيذ تلك الورقة يستغرق أشهراً. كما أن تركيا اقترحت تقديم ضمانات للإرهابي أبو محمد الجولاني من حيث تأمين ملجأ خاص له ولمن معه في تركيا شريطة قبوله الحل السياسي في إدلب. وهنا يرفض الروس والسوريون تقديم ضمانات لأي إرهابي تسبب بمقتل مئات الألاف من السوريين.
سنشهد تقدماً كبيراُ للجيش السوري بعد تطورات الجنوب تمتد إلى شرق سوريا وجنوبها على امتداد الحدود مع العراق والأردن وفي الشمال ستكون المعركة خاطفة وحاسمة لأن تركيا لا يمكنها المجازفة أكثر بمستقبلها في ظل من يتربص بأمنها ومستقبلها السياسي. وعندها يتم الحديث عن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.