بقلم : شهاب المكاحله
يحق لكل أردني أن يفكر ماذا سيفعل لو كان رئيساً لمجلس الوزراء! ماذا سيقدم للأردن وماذا سيقدم للشعب ومن سيختار من وزراء! بالطبع قد تبدو الأمور أنها لعبة للتسلية لكنها لعبة صعبة يرتفع فيها الضغط والسكر إلى أعلى الدرجات. ندرك جيداً أنه لن يصبح واحد من عامة الشعب رئيساً للوزراء لأن ذلك ضرب من الخيال بل أضغاث أحلام. ولكن لو شطحنا في مخيلتنا قليلا في هذه المسرحية، ماذا ستكون النتيجة!؟
باختصار هذا الحوار دار بيني وبين عدد من الأردنيين في عاصمة أوروبية حول الحكومة والرجل الخفي وماذا لو كان أي منا رئيساً للوزراء في الأردن؟ طرحت السؤال وانتظرت الإجابة من أكثر من زميل لي وصديق مطلع عن كثب على خفايا الأمور على الساحة الأردنية ممن لا تنقصهم الكفاءة لإدارة دولة أكبر من الأردن بمصاف الدول المتقدمة.
فأجاب أحدهم: لو عُرض علي منصب رئيس الوزراء لاشترطت عند قبولي للمنصب بأن لا صوت يعلو على صوت الشعب. فصفقت له وباركت حسه الوطني. وأضاف: فإذا تمت الموافقة: فأنا لها وإن لم تتم فسأرفض العرض المقدم لي ولن اقبل بعرض الوظيفة.
وسألت آخر: فقال: لن اشترط على أحد لأن الشروط والتعهدات حبر على ورق تُطبق على الضعيف ويتملص منها القوي. سأوافق بلا قيد أو شرط ولكن إن أول ما سأعمله هو تحسين التعليم لأن التعليم في بلادنا انحدر منذ العام 1995 وكأن لذلك علاقة باتفاقية السلام مع إسرائيل إذ دُمر التعليم والمناهج. وهذا فعلاً ما حدث. لذلك سأصر على تحسين التعليم وإعادة كرامة المعلم التي دنستها الأساليب التربوية الحديثة لأننا في الأردن استنسخنا تجارب مدارس ودول فاشلة وطبقنا تلك المناهج والانظمة على المدارس الأردنية وكانت النتيجة ضياع الأجيال والتعليم والمستقبل الذي ينتظرهم.
أما الشخص الثالث فأجاب وهو من عائلة بسيطة لكنها من أكثر العائلات الأردنية تعليماً: إذا ما عٌرض علي منصب رئيس الوزراء فإنني أدرك أنني أمام تحدٍ كبير لأنني يجب أن أتفهم مخاوف الناس وأدرك حجم الأردن إقليمياً ودولياً بدون مساعدات لأن الأمور لا تقاس بما يقدم لك بل بما تستطيع أن تنتجه وتقدمه دون معونات وهنا المقصود الدول المانحة والصناديق الدولية. وأردف قائلاً: سأعتمد مبدأ الشورى في الحكم من باب استمزاج الرأي وسأفُعِل العدل. وبما أنني مراوغ ماهر وسياسي غير معروف، فسأعمل على إبعاد الأردن في اتخاذ القرارات عن الضغوط الدولية وعدم التبعية مهما كانت العواقب لأن إرضاء الغير على حساب الشعب عواقبه وخيمة ولو بعد حين. وأضاف صديقي: سأتخذ القرارات المناسبة في التوقيت المناسب.
أما صديقي الآخر فقال: سأحاول أن اصنع شعبية لنفسي مع إعادة بعض الحقوق للمواطنين مما يدفعهم إلى احترامي وتقديري وهذا جُل ما يريده المواطن في أي دولة نامية. كما سأعمل على نشر حرية الرأي وإلغاء أي قانون طوارئ وضبط الأسواق والأسعار وتعديل القوانين. وأشار إلى أنه لا بد من أي يكون هناك لغة حوار بين الحكومة والشعب عبر الخطاب السياسي الهادئ دون إعطاء وعود خيالية لا تتحقق. كما لا بد من تغيير جذري في تركيبة مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان وعلى كل من يريد خوض هذا الميدان أن يخضع لامتحان للتأكد من وطنيته ونزاهته ومعرفته بالقوانين والمجتمع.
أما صديقي الذي تتلمذتُ على يديه فقال: سأوقف الخصخصة وأعيد التقييم الشامل للوضع الإقتصادي عبر سياسيات اقتصادية لا حلول مجزوءة وفزعات وسأضرب بيد من حديد على بؤر الفساد مع رفع سقف المعارضة دون التجريح وعدم التعرض للنظام. كما سأسعى إلى تقوية دور الأحزاب لأن التنمية لا تكون إلا بالتعددية الحزبية البنًاءة لا الهدامة. وأضاف أن من خططه أن يعيد تقييم الأجهزة الأمنية والعسكرية والقوات المسلحة وتقوية الروابط بينها وبين الدول الشقيقة والصديقة ومواصلة دعم تلك الأجهزة مادياً ومعنوياً وتوفير التدريب الداخلي والخارجي لعناصرها.
أما صديقي الأكثر شغباً، فقال: أريد أن أقوي الجبهة الداخلية لأننا في ظل غياب التعليم الفعَال فقد شبابنا الولاء والانتماء والفضل في ذلك يعود للظلم الاجتماعي وغياب العدالة. كما سأعطي دوراً أكبر لمبدأ المعاملة بالمثل مع الدول الأخرى وتحفيز الشباب على العمل التطوعي الذي يكسبهم الخبرة اللازمة.
وأخيراً جاء دوري، فقلت لهم: أتفق مع كل ما قلتم. لو كنتُ رئيساً للوزراء لعملتُ كل ما تفضلتم بذكره ولكن أضفت: لو كنت رئيساً للوزراء سأحول كل فاسد إلى القضاء. لو كنت في هذا المنصب سأقر قانوناً مفاده أن منصب الوزير أو رئيس الوزراء منصب تكليفي لا مزايا مادية له. وسأعمل على خصخصة القطاع الرياضي فقط وإعادة كافة القطاعات التي تمت خصخصتها إلى الدولة. لو كنتُ رئيساً للوزراء سأقلد الشباب مناصب قيادية وأنشئ جامعات افتراضية تمنح افضل التعليم المجاني للأردنيين في التخصصات المختلفة. وسأعمل على زيادة الانتاج الصناعي والزراعي ومنح التسهيلات للمواطنين لممارسة الأعمال التي تفيد الوطن وتبني المجتمع وتخلق الفرص الوظيفية. وسأجبر كل الشركات على قبول تعيين الشباب الأردني لديها في البداية وفق مبدأ العمل التطوعي لمدة ثلاثة أشهر ليكتسب الشاب مهارات العمل ومن ثم يصار الى توظيفه ليتمكن من إعالة نفسه وأسرته.
باختصار اتفقنا أن نحفط كرامة الوطن والمواطن ونعيد للأردن دوره وللتعليم هيبته التي فقدها. قد تبدو تلك اللعبة التي اقترحتها على أصدقائي بمثابة الديناصورات التي انقرضت ولكن سنعيد فيها الحياة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.