قضيت نهاية أسبوع مفيدة جداً لكاتب مثلي فقد قرأت آخر أعداد من «نيويورك ريفيو أوف بوكس» و «لندن ريفيو أوف بوكس»، والمجلتان الأميركية والبريطانية تنشران عروضاً للكتب الجديدة ومقالات سياسية قيّمة.
أهم ما قرأت كان تحقيقاً في المجلة الأولى عنوانه «برميل متفجرات» في سورية كتبه ستيفن سايمون. الكاتب بدأ بغارات جوية شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على مواقع لإنتاج الغاز وتخزينه كان هدفها إندار النظام ضد استخدام الغاز في حربه على المعارضة.
المقال قال بوضوح إن الولايات المتحدة تؤيد إسرائيل في هجماتها على المواقع الإيرانية في سورية. هناك احتمال واضح في أن تتحول الهجمات إلى حرب بين إسرائيل وإيران، والأولى قادرة على أن تضرب في عمق إيران بما تملك من صواريخ بعيدة المدى. إلا أن البلدين يخشيان دخول حرب معلنة يدفع المدنيون فيهما ثمنها.
الولايات المتحدة تريد تحجيم القوة العسكرية لإيران في المنطقة، وتحديداً في سورية، وهي بالتالي تأمل أن يحكم سورية نظام سنّي معتدل يمنع أي وجود مسلح إيراني في البلاد. الإدارة الأميركية لم تعلن حتى الآن خطة للمستقبل باستثناء تأييد الأكراد الذين يسيطرون على منابع النفط السورية.
المقال مفيد جداً ويستحق أن يُترجم إلى العربية وهو ينتهي بالقول إن الإدارة الأميركية لا سياسة لها في سورية، وبعد استعمال الغاز في دوما طلبت الإدارة الأميركية فرض عقوبات على روسيا، ثم أصدر البيت الأبيض بياناً يرفض هذه العقوبات. مع ذلك الولايات المتحدة قد تشتبك مع إيران، خصوصاً أن لها تحالفات وقواعد في الخليج جاهزة للاستعمال.
قرأت مقالاً آخر في المجلة الأميركية كان عرضاً لكتاب جديد عن «اليهود الحسيديم» عنوانه «الرقصة مستمرة» كتبه موشي هالبرتال وراجع فيه الكتاب الجديد «حسيديم، تاريخ جديد» من تأليف عدد من اليهود وصادر عن مطبعة جامعة برنستون. هذا الكتاب للمثقفين وأساتذة الجامعات ولن أراجعه في هذه العجالة.
كان هناك أيضاً عرض لفيلم اسمه «الفهد الأسود» وتحته عنوان فرعي هو «أمة تحت أقدامنا.» هناك بطل خرافي في الفيلم مأخوذ من كتب الكاريكاتور، وأحداث تعكس تاريخ السود في أميركا.
في عدد سابق من المجلة الأميركية كان هناك مقال عنوانه إذا ترجمته بتصرف هو «الأكل أفضل الحرب» كتبته جسيكا ماثيوز عن المواجهة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. الموضوع كان مفيداً وقت نشره إلا أن الأحداث اللاحقة ألغت تفاصيل دقيقة تضمنها. الرئيس ترامب قال أخيراً إن اجتماع 12 من هذا الشهر مع الرئيس كيم جونغ- أون سيُعقد، وإنه يأمل بالوصول إلى تفاهم، ثم أن كوريا الشمالية أعلنت أنها ستوقف برامجها العسكرية النووية، ومراقبون من الخارج شهدوا بدء تدمير مراكز لهذه التجارب.
لا أستطيع في مثل هذه العجالة أن أشير إلى كل مقال قرأت، أو إلى عدد منها فأكتفي اليوم بالإشارة إلى مقال عن «ثقافة السلاح» في الولايات المتحدة كتبه آدم هوتشايلد وعرض فيه ثلاثة كتب جديدة هي «مسلّح في أميركا: تاريخ حق حمل السلاح من أيام المليشيات الكولونيالية إلى حمل السلاح مخبوءاً الآن» وهو من تأليف باتريك تشارلز، والكتاب «مُعبأ (بالرصاص) تاريخ التعديل الثاني للدستور (الذي يسمح بحمل السلاح)» من تأليف روكسان دنبار- أورتيز، والكتاب «الوطن المختار، ثورة في الغرب» من تأليف جيمس بوغ. هي كتب مهمة إنما لأستاذة جامعات وخبراء أكثر منها لقارئ هذه السطور.
في المجلة الإنكليزية كان هناك مقال ممتاز عنوانه «الناجون من الحروب السورية» كتبه باتريك كوكبرن، وهو خبير في الموضوع. مرة أخرى، لا أستطيع الدخول في التفاصيل فأختار جزءاً من الموضوع عن الأكراد السوريين، والكاتب يقول إن تركيا لن تقبل أبداً حق تقرير المصير للأكراد في سورية. الأكراد السوريون أعلنوا أنهم لا يريدون الاستقلال وإنما قسطاً أكبر من الحكم الذاتي في مناطقهم. لا أرى هذا ممكناً بغض النظر عن رأي تركيا، لأن مناطقهم تشمل النفط السوري، ثم أنها توفر ملاذاً آمناً لأعضاء حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية. على رغم ما سبق أنتصر للأكراد وأؤيد طلباتهم في سورية وتركيا وإيران.
كان هناك مقال آخر عن الصعوبات التي تواجه خدمات الصحة الوطنية في بريطانيا كتبه جيمس ميك. المقال مهم وصريح ومفيد قرأته لأني أقيم في بريطانيا وأخضع لقوانينها إلا أنه لا يهم القارئ العربي في الرياض أو القاهرة أو الكويت لأن الخدمات الصحية في بريطانيا لا تعنيه أو تؤثر فيه، مع ذلك أرى أن أي مقيم عربي في بريطانيا سيستفيد من قراءته.
أرجو أن أرى يوماً في المجلات الثقافية العربية هذا المستوى العالي من الفكر.