صلابة الساكنة في مواجهة التغيرات المناخية

صلابة الساكنة في مواجهة التغيرات المناخية

المغرب اليوم -

صلابة الساكنة في مواجهة التغيرات المناخية

لحسن حداد
بقلم - لحسن حداد

أدَّت التغيرات المناخية في مختلف بقاع العالم إلى ازدياد وتواتر الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والأعاصير والفيضانات، وقد تؤدي في مجملها إلى تدمير أنماط وواقع الحياة، خصوصاً في دول الجنوب. غير أن الأثر السلبي لتلك التغيرات على الطبيعة والإنسان ليس شيئاً يجب قبوله دون أن نحرك ساكناً لمواجهته. نعم، هناك ما يجب أن تقوم به الدول من خفض حقيقي لانبعاث الغازات التي تتسبب في الاحتباس الحراري، والذي هو السبب الأساسي في الظواهر المناخية التي يعرفها العالم حالياً. ولكن التزامات الدول تقتضي كذلك تهيئة الساكنة للرفع من صلابتها ومناعتها في مواجهة كوارث طبيعية مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير، وأيضاً ظواهر غير مناخية مثل الزلازل، وملاءمة سبل عيشها مع الواقع المناخي والإيكولوجي الجديد.

ولكنَّ هذا يتطلب هندسة تقنية وتنموية واجتماعية دقيقة من أجل الوصول إلى صلابة الساكنة في مواجهة الاختلالات المناخية والطبيعية. وهذا يعني تعبئة الساكنة والمجتمع المدني والمصالح الخارجية للوزارات المعنية، خصوصاً البيئة والفلاحة والتجهيز والماء والنقل والتعليم والصحة، من أجل وضع خطط مجالية موضعية ودقيقة في المناطق المهدَّدة بالجفاف والفيضانات والثلوج والزلازل والأعاصير، وتعبئة الجميع من أجل تنفيذها والسهر على العمل بها سواء في الفترات العادية أو في حالات الاستنفار.

كان المغرب قد وضع 38 مخططاً محلياً للصلابة والتأقلم لمواجهة التغيرات المناخية في 2016، لكنها رغم قلتها، بقيت حبراً على ورق. نعم، يجري حالياً استبدال مشاورات على المستوى الجهوي بها، ومن غير الواضح كيف سيتم الانتقال من التشاور على المستوى الماكرو-جهوي إلى وضع مخططات موضعية ملائمة للظروف الجغرافية والمجالية للسكان على المستوى الترابي. المشاورات أساسية لوضع مخططات الصلابة والتأقلم، ولكن يجب أن تكون الساكنة في صلب المعادلة ويجري التشاور معها حول أفضل وسيلة لتحسين ودعم جاهزيتها لمواجهة آثار التقلبات المناخية.

المستوى الأول للجاهزية في مواجهة آثار التقلبات المناخية على الساكنة هو البنية التحتية. وهذا يقتضي (إن أخذنا فقط الفيضان مثالاً، خصوصاً أن فيضانات المغرب الشرقي الأخيرة ما زالت آثارها بادية للعيان) إعادة النظر في نوعية وشكل القناطر ومسار طرق النقل. ويقتضي كذلك وضع السدود لمقاومة الفيضانات وحفر قنوات عريضة وعميقة لتسهيل مرور منسوب المياه الجارفة دون التأثير على الساكنة، وإبعاد القرى والمدارس عن الأودية، وتدريب الساكنة على تقنيات جني مياه الفيضان لاستعمالها في وقت الجفاف، وأخيراً تحصين الحقول الزراعية عبر تحويل مجاري المياه الجارفة وربطها بأحزمة القنوات التي تحمي الساكنة من الفيضانات.

تدريب المزارعين على تقنيات الزراعة المستدامة هو أيضاً كفيل بالحفاظ على دخل الساكنة حتى في زمن الجفاف. بالإضافة إلى السقي بالتنقيط واستعمال «المطفيات»، (آبار لجني مياه المطر واستعمالها في وقت الندرة)، يجب كذلك تكوين الساكنة على استعمال زراعات غير مُستهلِكة للمياه مثل الذرة والشعير والعدس والحمص والفول السوداني والتمر والطماطم واللوز والتين والبرسيم والبطاطا الحلوة والرمان والزعتر والصبار والتين الشوكي وغيرها. وعلى مصالح الإرشاد الزراعي أن تلعب دورها في هذا الإطار من حيث توجيه وتكوين المزارعين ورفع وعي الساكنة، وكذلك تدريبها على تحويل هذه المنتجات إلى غذاء متكامل أو علف لمواشيها.

وهذا يتطلب أيضاً تحولاً ثقافياً وعلى مستوى الوعي في عادات التغذية، والانتقال من التغذية التي تعتمد على اللحوم الحمراء المستهلِكة للمياه والطاقة إلى مصادر للبروتينات ذات أصل نباتي وغير مكلفة مادياً ومن حيث الأثر على استدامة الموارد. وهذا الأمر ليس من اختصاص السلطات فقط، بل يتطلب تضافر جهود ذوي العلم في ميدان التغذية مع تعبئة المجتمع المدني والإعلام والحركات المجتمعية في أفق استبدال التغذية المعتمِدة على النباتات من بذور وخضر ومنتجات نافعة ذات أصل غير حيواني، بالتغذية المعتمِدة على اللحوم. وهذا يعني أن الزراعات المحلية لا تُسْتهلَكُ في إيجاد الأعلاف للماشية بقدر ما تُستعْمَلُ في توفير محاصيل يتم تحويلها إلى أغذية غنية بالمواد التي يحتاج إليها جسم الإنسان.

أخيراً، يجب وضع أنظمة للإنذار المبكر ووضع بروتوكولات يجري تدريب الساكنة والسلطات والمدارس وجميع المرافق والمؤسسات على الالتزام بها في حال وجود طوارئ مثل الزلازل أو الفيضانات أو العواصف القوية. والتدريب لا يعني فقط شرح هذه البروتوكولات، ولكن إطلاق صافرات الإنذار بشكل منتظم وملاحظة سلوك الساكنة ومن يهمهم الأمر والتدخل لضبط الأمور ورفع الجاهزية. المدارس والمساجد ودور الشباب والمصالح الخارجية والجماعات يجب أن تعمل يداً بيد لضبط السلوكيات واحترام القواعد، وهذا لا يتأتى من دون القيام بتدريبات دورية لخلق السلوك الملائم في حال وجود طوارئ. يجب تكوين مجموعة من المؤطرين الاجتماعيين تساعدهم السلطات والمتطوعون والمجتمع المدني لتدريب الساكنة ورفع وعيها في حال وجود الخطر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صلابة الساكنة في مواجهة التغيرات المناخية صلابة الساكنة في مواجهة التغيرات المناخية



GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

GMT 21:25 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفعل السياسي الأكثر إثارة

GMT 21:22 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سألوا الناخب.. فقال

GMT 21:20 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ديمقراطية على المحك!

GMT 21:18 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترامب!

GMT 06:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 05:06 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 15:54 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل
المغرب اليوم - حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل

GMT 10:33 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أستراليا تحظر السوشيال ميديا لمن دون 16 عاماً
المغرب اليوم - أستراليا تحظر السوشيال ميديا لمن دون 16 عاماً

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 06:17 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 06:27 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أجمل إطلالات نجوى كرم باللون الزهري بدرجاته المختلفة

GMT 21:55 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعزل المحكمة الادارية عزل رئيس المجلس الجماعي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib