أسامة الرنتيسي
يحفر المتفائلون بتغيير النهج السياسي في الأردن في الصخر، أمام المتشائمين وغير المقتنعين بأن لحظة التغيير في البلاد قد حانت.
لدى المتشائمين عشرات الأمثلة من الخيبات والتراجعات، ولا يوجد في جعبة المتفائلين سوى أمنيات ووعود ورغبات لم تتحول حتى الآن إلى إرادة حقيقية على الأرض.
الرغبات تحتاج دوما إلى فحص، وكانت لحظة مناسبة وذكية أن تسبق الإرادة المَلِكِيَّة بالعفو عن المتهمين بإطالة اللسان قبل يوم من خطاب العرش تحت قبة مجلس الأمة، لعلها تضع بصمة أمام المشككين، وتدعم الحالة السياسية المنتظرة بعد مخرجات لجنة منظومة الإصلاح.
تجديد عقل الدولة السياسي متطلب إجباري، وتوسيع قاعدة الحكم لتضم أطيافًا جديدة، واتجاهات متعددة، هما طريقا الخلاص من حالة التردد وعقم الحلول التي تتكرر بالسياسات والأشخاص.
المتشائمون؛ وهم الأكثرية للأسف، وجدوا في تفريغ الساحة البرلمانية لوصول القطب البرلماني النائب عبدالكريم الدغمي إلى سدة رئاسة مجلس النواب من دون منافسة مؤشر على استمرار النهج ذاته والتدخلات إياها.
واستشهدوا بتقديم أول طلب لإنشاء حزب جديد (الميثاق) بعد مخرجات لجنة الإصلاح بأن الحال سوف تبقى على ما هي عليه، أسيادكم في الجاهلية أسيادكم في الإسلام.
في الأيام المقبلة نحن ذاهبون إلى إقرار سلسلة مشروعات القوانين التي أقرتها لجنة الإصلاح ومررتها الحكومة من دون تعديلات، ومن المتوقع أن يقرها البرلمان ولا تحتاج إلى تحرك الماكينة الرسمية بكافة اتجاهاتها لتزييت مُسنَّنات المجلس.
طبعا؛ سنسمع وصلات غضب من نواب معروفين سيحتجون على آلية التصويت، وطريقة تمرير مشروعات القوانين، لكن في النهاية لن يعطل المجلس المسيرة التي انطلقت، بل كثيرون من النواب منخرطون الآن في جهود مختلفة لتحزيب الانتخابات المقبلة على مقاس قانون الانتخاب المنتظر، في محاولة جادة لبناء أحزاب وتجويدها وتصليب بنيانها في المستقبل.
خلال الأسبوعين الماضيين استمعنا إلى مداخلات عديدة من كبار صُنّاع القرار في البلاد، شخّصوا فيها طويلا كل ما يجري، لكنّ المراقب يكتشف أن الرؤى غير متطابقة، وطرق التفكير ليست واحدة، بل متعارضة، وغير منسجمة، ولا يوجد مطبخ حقيقي لصنع القرار.
نحتاج لتجديد عقل الدولة، إلى نقلة نوعية في إدارة الشؤون العامة، وفي طبيعة تركيبة السلطات القائمة، لأن الأزمات التي نمر بها غير مسبوقة، وليست عابرة بحيث تتم معالجتها بصفقات تعوّدنا عليها، وضحايا من كافة الأوزان.
تجديد عقل الدولة يحتاج إلى مشاركة خبرات سياسية واقتصادية واجتماعية متخصصة أثبتت نجاحات في مجالات تخصصها، لكنها غائبة عن تقارير البطانات، وإن حضرت في التقارير فإن الغيرة والحسد وتكسير النجاحات حليفها.
عندما يختار المرء أن يركب البحر فلا بد له أن يمتطي ظهر سفينة لا صهوة حصان، فلكل طريق مركبه، ولكل سفينة ربان.. ولا نجاة لسفينة الوطن إلا بأشرعة عالية سليمة وطاقم بحارة مهرة كابدوا مشاق السياسة وواجهوا عواصفها.
الدايم الله…