الدرس الأردني في الوطنية والتلاحم ورص الصفوف الذي أظهره الأردنيون منذ لحظة قرار الرئيس الأمريكي ترمب، سيكون منهجا لشعوب المنطقة كلها، في مواجهة الأزمات والمحن.
فمنذ أربعاء القدس والأردنيون جميعهم لم تغف أعينهم من الظيم الذي وقع عليهم، والقهر الذي أصابهم، فهبوا هبة رجل واحد ليؤكدوا وحدة موقفهم تجاه القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية.
سيروا المسيرات التي شارك فيها عشرات الألوف، واستنفرت الأجهزة الحكومية، وتغيرت برامج الدولة، وعمل المؤسسات والدوائر الرسمية.
استنفر الإعلام بكل أشكاله، المرئية والمسموعة، واستنفرت الصحافة التقليدية والإلكترونية بالوسائل كافة. ووصل الاستنفار إلى المساجد والكنائس.
ممثلو الشعب الأردني في مجلسي الأعيان والنواب، هبوا نصرة للوطن بالوسائل جميعها، فأصدروا البيانات، وعبروا بالمواقف الفردية والكتلوية عن تضامنهم مع الدولة وقيادتها وجيشها.
طلابنا في الجامعات كانت لهم وقفات وجولات من التضامن والتحشيد الشبابي.
الأحزاب السياسية بأطيافها وتياراتها المختلفة، والحركة النسائية، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، عبرت عن تضامنها مع موقف الدولة المشرف.
مكونات المجتمع الأردني جميعها أظهروا ما جعبتهم من تلاحم وتراص ووطنية، وكشفوا عن عمق نسيجهم الاجتماعي، فهم عند الشدائد تراهم على قلب رجل واحد، شتا وقلوبهم جمعا.
الأردنيون في الخارج كانوا مع الوطن وقضيته، ونظموا المسيرات والوقفات التضامنية.
الآن، وبعد الغضبة الأردنية الواحدة، من رأس النظام إلى أصغر طفل في الوطن، بقراه ومدنه وبواديه ومخيماته، وبعد الأداء الوطني الرائع، الموحد الشامل، علينا أن نؤسس لعمل وطني بديمومة فاعلة، لأن القضية كبيرة، ومعركتها طويلة.
الجهة التي أخرجت الفيديو القديم للملك رافضا بكل عزة وشموخ هاشمي مقايضة الموقف الأردني بمئة مليار دولار، خطوة إيجابية، بأننا لسنا للبيع والشراء.
بإمكاننا الآن أن نستثمر هذا الإبداع الوطني الموحد، والمشاعر الدولية المتضامنة معنا، ونفتح أبواب الحريات أكثر فأكثر.
لا نحتاج إلى إعادة فتح ملف الاعتقالات السياسية، ولا يجوز اعتقال شخص على ذمة القدس، لأنها قضية وطنية شاملة تستوعب مظاهر الاحتجاج، مهما بلغت، وكل حالات الغضب مهما علت.
لا نريد أن نقرأ بيانات عن العودة إلى تكميم الافواه، ولا نريد أن نرى وقفات احتجاجية بالسلاسل، ولا نمنح عشاق المايكروفونات فرصة للتبجح، نريد هواء نقيا يشبه هواء القدس.
لا أحد يزاود على رجال الأمن في عشقهم للقدس، ولا أحد مع الفوضى، لكن القدس تحتاج الى التضامن معها بكل معانيه وأشكاله، فإذا لم نتضامن نحن في الأردن مع القدس وانتفاضة شعبها في الضفة وغزة فمن يتضامن معها.