إلى بشرى قبل أن تهج من البلاد…..
لم تجد في يوم من الأيام المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية، السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيويورك هيلاري كلينتون، وسيلة لكسب ودّ الناخبين إلا بالتطرّف، حيث صرحت أنه إذا تعرضت إسرائيل لهجوم إيراني بأسلحة نووية سنكون قادرين عندها على محوهم بالكامل.
هكذا، وفي لحظة لم يرتجف لها جفن، أعلنت هيلاري، المرشحة التي تغزّل بها كثيرون، وفي برنامج صباح الخير أمريكا، عن محو نحو 70 مليون إيراني من عن الوجود.
أذكر أن الرئيس الإيراني وقتها محمود أحمدي نجاد، الذي تبجّح بأن إيران أعظم قوة في العالم، لم ينتظر طويلا وردّ على هيلاري كلينتون أنه لا يمكن لأية دولة أن تنتهك سيادة إيران أو تحرمها من حقوقها الشرعية.
نجاد، وفي استعراض عسكري شاركت فيه طائرات أمريكية أف 4 عفى عليها الزمن، خاطب الأمة الإيرانية بأن مقاومتها ستمنع أي عدوان عليها وعلى مفاعلاتها النووية.
مشكلة عبر التأريخ أن يقود مجانين جزءًا من العالم، فأين الإنسانية فيمن يدعون أنهم حرّاس الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية.
كنت دائمًا أعتقد أن قتل المدنيين، بمن فيهم المعارضين، ولأي سبب كان، هو إجرام بحق الإنسانية، ولكن على ما يبدو أن الإنسانية تختلف من منطقة إلى أخرى، فإذا كان العرب متهمين بدكتاتورية بعض الأنظمة الحاكمة، وأن هذه الأنظمة تحتاج إلى دخول يوتيبيا الديمقراطية، فكيف يكون خطاب حرّاس الديمقراطية متشابها مع خطاب الدكتاتوريات.
المشكلة أن العالم يريد تطبيق نظام جديد من الديمقراطية على الإنسانية، هذا النظام الذي يكون فيه الشعب مسؤولا عن أفعال حكومته، فإن شنّت حكومته حربًا على دولة ضعيفة فقيرة، فإن الشعب الذي اختار هذه الحكومة يستحق القتل والتجويع والمحو من عن وجه الأرض.
وإن قامت أية حكومة برمي قنبلة نووية فوق مدينة آهلة بالسكان المدنيين، فيحقّ للعالم استهداف المدنيين لتلك الحكومة، ففي النهاية هم الذين اختاروا هذه الحكومة.
هذا منطق خطير جدًا فإسرائيل تحاصر الآن أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، ويشترطون وقف إطلاق النار على مستوطنات الاحتلال، مع أن الطرف الفلسطيني الشرعي يعتبر أن القطاع تم اختطافه من قبل حركة سياسية انقلبت على الشرعية.
لاحظوا أن إسرائيل تحاصر أكثر من مليوني مواطن مدني، وتقوم بتجويعهم، لا بل قتلهم وضربهم وحرمانهم من الدواء والغذاء، حتى تتوقف المقاومة. المشكلة أن الفلسطينيين تجربتهم حديثة جدًا مع الديمقراطية، أي أنهم منذ سنوات قليلة بدأوا ممارسة حريتهم في اختيار حكومة شرعية تمثلهم.
بينما أمريكا وإسرائيل منذ فجر بدايتهما وهما يرضعان من نبع الديمقراطية، إذًا، ووفقا لمفهومهم الجديد فشعوبهم مسؤولة عن الفظائع والمجازر جميعها التي ارتُكبت بحق أعدائهم.
وحسب مفهوم إسرائيل وأميركا لنظام معاقبة المدنيين على أفعال حكوماتهم، فهذا يعني أنهم اختاروا مواجهة الشعب بدلاً من مواجهة الحكومة، أي اختيار الطريق السهل، تجويع وقتل الشعب الفلسطيني، ومحو الشعب الإيراني من عن الوجود.
نعم، لقد تحوّل العالم إلى غابة بفعل مجانين قادوا شعوبهم، وللأسف أنهم وصلوا عبر صناديق الاقتراع.
بالمناسبة، ماذا يختلف خطاب هيلاري ونجاد ونتنياهو وترامب والمتطرفين في العالم كلهم، عن الخطاب الآخر المتهم عالميا بالإرهاب، وبِمَ تختلف مصطلحات هيلاري وغيرها عن مصطلحات البغدادي والظواهري وابن لادن؟
فعلًا.. عالم بشع يقوده مجانين.