بقلم - أسامة الرنتيسي
في زمن المعلومات وانتشارها الواسع، وانتهاء عصر الحَجْب والمنع، بات لزاما على المؤثرين في الرأي العام أن يغادروا العقلية المؤامراتية، واللغة الخشبية، والعقم الفكري، وأن يفتحوا عقولهم قليلا للهواء النقي، حتى لا يشاركوا أكثر في تجهيل الناس.
ليس كل ما ينشر على الشبكة العنكبوتية يمكن تبنّيه وتوزيعه، أجزم أن أكثر من 90 % مما ينشر يحتاج إلى تدقيق وتمحيص.
للأسف الشديد، معظمنا مسكون بعقلية المؤامرة، يصدق الروايات الغريبة ويتبنّاها، يعرف أن متحدثًا ما في فيديو لا يستحق الاستماع إليه، ومع ذلك لا نكتفي بالاستماع، بل نقوم بالترويج ايضا، مع أننا في دواخلنا نعرف أن ما جاء فيه كذب وتأليف، ومثلما قال قبل أيام رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي في الفحيص إن مكان هذه الفيديوهات سلال المهملات.
لا أريد أن أضرب أمثلة حديثة عن سيطرة عقلية المؤامرة علينا، بل سأذكّركم بامثلة سابقة حتى نضحك على حالنا كثيرا.
تذكُرون عندما شقت أمانة عمّان – في زمن المهندس نضال الحديد – وادي عبدون لربط شطري عمّان الشرقي بالغربي، كيف هاجم أصحاب عقلية المؤامرة المشروع، وقد تراجعوا الآن وأصبحوا يُشيدون بعبقرية القرار، وكيف حل الأزمة المرورية بشكل لافت في المنطقة، وأصبح الوصول الى عمّان الشرقية سهلًا وسلسًا، لا يحتاج الى ساعات مثلما كان قبل تنفيذ المشروع.
العقلية ذاتها اعتبرت مشروع شارع الأردن مرحلة من مراحل التعاون مع إسرائيل لشق مخيم الحسين، مثلما هو خط النفط العراقي الى الأردن جزءٌ من مشروع إحياء خط حيفا القديم، وشراء الأراضي في الشمال لتمرير خط السكك الحديد مع الكيان الصهيوني.
العقلية المؤامراتية ذاتها، التي وقفت قبل سنوات ضد توزيع حبات الفيتامين على طلبة المدارس، عندما كشفت دراسة علمية عن نقص في التغذية لدى طلبة المدارس والصفوف الأولى فيها، يومها ولا أذكر من كان رئيسا للحكومة، وبتوجيهات عليا تم التنسيق مع شركات الأدوية لتقديم الفيتامين لطلبة المدارس، بمعدل حبة يوميا.
تعالت الأصوات من كُتّاب و«مفكرين” وأحزاب وشخصيات سياسية أن حبة الفيتامين قادمة من إسرائيل وهي جزء من مشروع صهيوني لخلق جيل عقيم من الشباب، لتخفيف نسب الولادة في المنطقة.
هذه الرواية البائسة الساذجة تسربت الى عقول أغلب المواطنين، الذين منعوا أبناءهم من تناول حبة الفيتامين، بطرق عديدة، وصلت الى مرحلة أن طالب الصف الأول الابتدائي بعد أن يحصل على الحبة من أستاذه يقوم بإخفائها في بنطاله ليتخلص منها بعد أن يبتعد الاستاذ عنه.
لِمَ نضع كل شيء تحت بند المؤامرة ونقوم بنسج الروايات حتى يتم التأثير في الرأي العام بشكل سلبي؟
أليس الآن في عقول معظمنا، ان الخصخصة مؤامرة، والمديونية “حرمنة وفساد”، والعقبة الاقتصادية الخاصة مشروع للمتاجرة غير المشروعة، والمهرجانات الفنية والثقافية مؤامرة على عقول الجيل لتحويله الى جيل “خالع مايع”، والباص السريع تنفيعة لمسؤول غير مرئي حتى الآن، ووو….
حتى وجود الدكتور عمر الرزاز على رأس الحكومة مؤامرة لشطب تاريخ والده وعائلته النضالي….معقول بيننا من يفكر بهذه الطريقة.