رشيد نيني
بالنسبة إلى إسرائيل التي تعتبر العدو رقم واحد لإيران، فقد حذر رئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، من أن إسرائيل لن تسمح أبدا لإيران بامتلاك السلاح النووي، وذلك بعدما اتهم طهران بأنها لم تتخل بعد عن طموحها في هذا الخصوص.
أما المملكة العربية السعودية فتتخوف من فقدان هيمنتها الدينية والروحية في المنطقة لصالح إيران، وهو ما حصل بالفعل حسب ما عبر عنه أحد المحللين الأمريكيين على قناة «سي إن إن»، من كون الولايات المتحدة الأمريكية أعادت توجيه «قبلتها» من الرياض نحو طهران، مثلما سبق للمسلمين أن غيروا، في وقت من الأوقات، قبلتهم من القدس وولوا وجههم شطر مكة، ما يجعل من المملكة العربية السعودية الخاسر الأكبر في هذه المعادلة الاستراتيجية الدولية.
وربما يكون لفكرة عودة إيران إلى سوق النفط، الذي يعاني أصلا من التخمة، وكذا بسبب انخفاض النفط الخام، نتائج سلبية على اقتصاديات المنطقة.
وحتى الخطر نفسه فقد كان معروفا وتأكد أكثر بطريقة لم يكن يتوقعها أحد، والدليل على ذلك أن سنة 2016 بدأت بداية سيئة، إذ عرفت بورصة كل من الصين وباريس ونيويورك انخفاضات حادة ومقلقة. هذا الانخفاض هو انعكاس لثلاث أزمات هي الأزمة الصينية وأزمة البترول والأزمة الأمريكية، والتي تهدد مجتمعة الاقتصاد العالمي ككل.
وحتى أسواق المال بدول الخليج المصدرة للبترول لم تسلم هي الأخرى، وعرفت الأسبوع الماضي انخفاضا حادا، خاصة أسواق المملكة العربية السعودية التي شهدت مؤشرات البورصة فيها أكبر انخفاض لها منذ عدة سنوات.
وفي موضوع المملكة العربية السعودية دائما، نذكر أنها استبقت عودة إيران إلى الساحة الدولية وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وهو حدث يعكس درجة الأزمة الخفية بين البلدين، وهي أزمة تمتد منذ سنوات خلت. وبينما سارعت مجموعة من الدول إلى تبني الموقف السعودي والاصطفاف في صفها، فضل المغرب إظهار موقف حوله نوع من الإجماع.
وما الدعوة إلى ضبط النفس وتغليب خطاب العقل التي جاءت في بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، إلا دليل على رغبة الرباط في عدم معارضة أي قوة من قوتي المنطقة، مع التأكيد على إدانة حادث الاعتداء على التمثيليات الدبلوماسية السعودية في كل من طهران ومشهد.
فقد أدانت دبلوماسيتنا الحادث لأنه يشكل خرقا سافرا لاتفاقيات جنيف، غير أنها حرصت على أخذ مسافة من السياسة السعودية التي غامرت بتطبيق سلسلة من الإعدامات لا تتفق معها الرباط. لكن، وبما أن المغرب لا يستطيع إدانة إعدام الشيخ نمر باقر النمر دون أن يتم اتهامه بالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، فقد فضلت الرباط التزام نوع من الحياد السياسي أتاح لها، إلى حدود الساعة على الأقل، إمكانية لعب دور الوساطة بين القوتين الإقليميتين، سيما وأن المغرب له الشرعية الدينية ممثلة في ترؤسه للجنة القدس. وبهذا، ترسل الرباط إلى العالم رسالة واضحة فحواها أن المغرب ليس بطرف رئيسي في هذا النزاع، لكنه من الممكن أن يلعب دور مقرب وجهات النظر بين السعودية وإيران مثلما فعلت سلطنة عمان عندما قاد سلطانها قابوس المصالحة بين طهران وواشنطن.
أضف إلى هذا أن المغرب بالكاد أعاد علاقاته الدبلوماسية مع طهران بعد سنوات من الخلاف والقطيعة، وليس من مصلحة الرباط أن تقطع مرة أخرى هذا المحور الاستراتيجي، خصوصا وأن إيران أوجدت لنفسها مكانا بين الكبار داخل منظمة الأمم المتحدة بعد سنوات من المفاوضات حول ملفها النووي مع القوى الدولية، ممثلة في أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الخمسة، إضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوربي.
مسألة أخرى لا تقل أهمية، وهي أن المغرب لا يفكر أبدا في الإضرار بالمملكة العربية السعودية لأنها كانت وستبقى صديق المغرب وحليفه الأول سواء على المستوى التاريخي والاجتماعي أو السياسي.
الرباط والرياض تحترمان بشكل متبادل استقلال هيئاتهما الدبلوماسية، وحتى المغرب له رغبة جامحة في إعطاء الدليل للمملكة العربية السعودية على أن هامش المناورة الخاص بسياستنا الخارجية يبقى خطا أحمر وأنه لا يتأثر بالهزات الإقليمية أيا كان حجمها وأهميتها.
هذا يعني أن تقارب الملكيتين، المغربية والسعودية، سيمكن الرباط بشكل حتمي من لعب دور كبير للوساطة بين كلا القوتين، خصوصا وأن المغرب استجاب بشكل فوري، ودون أدنى تردد، حينما طلبت منه الرياض دعم التدخل في اليمن.
وحتى الرياض، من جهتها، ستستمع إلى المغرب في حال قررنا الدخول في وساطة من أجل السلم في المنطقة، لأن أي نزاع عقدي بين قوة سنية وأخرى شيعية ستكون له عواقب كارثية تمتد من منطقة الخليج حتى المحيط الأطلسي، سواء على المستوى الأمني أو حتى بخصوص الاستقرار الاجتماعي.
فالرباط والرياض وطهران تشكل مجتمعة أهم عواصم العالم الإسلامي وأي اضطراب في إحداها سيؤثر لا محالة سلبا على البقية.
اليوم هناك سفير إيراني في الرباط يزاول مهمته الدبلوماسية في تعاون وثيق مع السلطات المغربية المختصة، وحتى إيران عبرت بشكل واضح عن رغبتها في التعاون للعودة بعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية إلى سابق عهدها.
لقد حلل الخبراء الدبلوماسيون السعوديون جيدا موقف الرباط واستوعبوه وأظهروا رد فعل سريع تجاه «برودة» رد فعل المغرب، وهو برود أثبته أيضا مستوى تمثيل المغرب في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الذي عقد قبل أيام بمدينة القاهرة.
فبعدما كان ينتظر حضور صلاح الدين مزوار لتمثيل المغرب خلاله، جرى في الأخير اختيار مباركة بوعيدة، وزيرته المنتدبة التي انتقلت إلى القاهرة، في وقت ترأس أغلب التمثيليات العربية رؤساء دبلوماسيتها بشكل شخصي، وخصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة التي مثلها الشيخ عبد الله بن زايد آل النهيان، والمملكة العربية السعودية ممثلة في عادل الجبير.
التقطت الرياض الرسالة بشكل واضح وعمدت، خلال 48 ساعة، إلى الدفع بأصحاب الحل والعقد في السعودية لتعيين سفير جديد لدى الرباط، محسوب على محيط الملك سلمان، وبالفعل، عكس التعيين المستعجل لعبد العزيز محيي الدين خوجة، بصفته رئيسا جديدا للهيئة الدبلوماسية السعودية في المغرب، حسن نواياها تجاه المغرب، نظرا لأن السفير الجديد له معرفة عميقة بالمغرب لأنه سبق له أن قضى ثماني سنوات كسفير، من 1996 إلى 2004، قبل أن يعين في منصب وزير الثقافة.
ويتميز عبد العزيز خوجة بقربه من الأسرة الحاكمة في السعودية وبفطنته الكبيرة، إضافة إلى كونه رجل دولة من الطراز الرفيع، وهي خصال تجعله يدخل المغرب من جديد من أوسع أبوابه بهدف إعادة المياه إلى مجاريها بعدما قطعت مؤقتا بسبب سوء تفاهم بسيط كاد يترك ندوبا عميقة.