رشيد نيني
لقد اعتادت الجزائر تمويل ميزانيتها بما تجنيه من بيع البترول والغاز الطبيعي، ما كان يتيح لها هامشا كبيرا من المناورة في ما يتعلق بالقضايا السياسية الخارجية بهدف الإضرار بالمغرب. لكن ومع سعر برميل النفط يقل عن ثلاثين دولارا، لن يطول تحمل هذا النموذج قبل أن يتهاوى، فالسعر الحالي لا يغطي حتى المصاريف الجزائرية، وهو ما كشفت عنه مذكرة استراتيجية أعدها معهد «جيوبوليس»، يظهر فيها أن احتياطات الصرف انخفضت بنسبة 35 مليار دولار سنة 2015، وهو ما يؤشر على أن البلد يسير قدما نحو تسجيل عجز في الميزانية قد يبلغ 40 مليار دولار سنة 2016.
حينما كان سعر البترول 80 دولارا للبرميل، بلغت نسبة البطالة في الجزائر حوالي نصف الساكنة النشيطة، أما اليوم، فربما يشكل انخفاض مساعدات الدولة للمواد الأولية الشرارة لإشعال النار في بلد يعيش مشدوها أمام حرب مستعرة حول السلطة تدور أطوارها حول شخص الرئيس بوتفليقة.
وربما تدخل الجزائر، التي تعتبر إلى جانب المغرب من البلدان النادرة التي لم يصلها الربيع العربي، في حالة من الفوضى جراء هذه الحرب الغامضة على السلطة، وهو افتراض يزيد من احتمال حدوثه انهيار مداخيل النفط.
لقد كانت الجزائر وإلى وقت قصير، هي والمغرب الذي يعتبر من أقطاب الاستقرار في العالم العربي، من ليبيا إلى سوريا، في مأمن من الاضطراب والعنف والفوضى، إلا أن المعادلة آخذة الآن في التغير.
ومع ذلك، يبقى المغرب في أعين الغرب عموما وفرنسا على وجه الخصوص، البلد الوحيد الآمن شمال حوض المتوسط؛ كما يعد المغرب أيضا البلد الوحيد الموجود في «المنطقة الخضراء» التي وضعتها وزارة الخارجية الفرنسية وهو موقع لا يخاف على نفسه إزاحته منه.
«بعدما ظلت إيران ولزمن طويل دولة منبوذة، ها هي الآن تتحول إلى فاعل رئيسي في المجتمع الدولي وتوجد لنفسها موطئ قدم داخل نادي الكبار».
بهذه الكلمات علقت جريدة «هآريتز» الإسرائيلية على قرار تفعيل برنامج إيران النووي مساء يوم السبت الماضي في العاصمة النمساوية فيينا، بعد تقرير منحاز من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لحظات بعيد الإعلان عن الخبر، صرحت الممثلة السامية للاتحاد الأوربي المكلفة بالشؤون الخارجية، فيدريكا موغيريني، التي كانت مرفوقة بنظيرها الإيراني، جواد ظريف، أن الاتحاد الأوربي قرر بإجماع دوله الثماني والعشرين الرفع الفوري لكافة العقوبات المفروضة على طهران.
مباشرة بعد ذلك، تحدث وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بدوره عن اتخاذ بلاده قرار رفع الحظر الاقتصادي المسلط على إيران، ثم تلاه بيان للبيت الأبيض أعلن فيه أن الرئيس باراك أوباما وقع، لحظة الإعلان عن البيان، مرسوما يدخل بموجبه قرار رفع العقوبات حيز التنفيذ بشكل فوري.
كل هذه الأحداث المتلاحقة والمتزامنة تم الإعلان عنها بشكل مباشر على كبريات القنوات العالمية، وشكلت حدثا أخذ أبعادا دولية واصطبغ بصبغة تاريخية تشكل قطيعة مع حقبة بائدة والتزاما بمرحلة أخرى جديدة.
لقد سبق لطهران أن تحولت إلى عاصمة للاستثمارات شهر يوليوز 2015 بعدما تقاطرت عليها الوفود التجارية الغربية وكذا الساسة الأوربيون والأمريكيون الذين تدافعوا دفعا داخل العاصمة الإيرانية لاستقبال قرار رفع العقوبات. كيف لا والسوق واعد ويتميز بغنى احتياطيه من البترول والغاز الطبيعي، وحتى البنيات التحتية تعاني من بعض العجز، دون أن ننسى سوق تجهيزات السيارات والطائرات المتهالكة ووسائل الاتصال المتقادمة.
فالعقوبات الأممية والأمريكية الأوربية تسببت في خنق الاقتصاد الإيراني لحوالي عشرين سنة، ناهيك عن أن البلد البالغ تعداد سكانه ما يقارب الثمانين مليون نسمة يعاني من ندرة في جل المواد، وهو ما جعل الشركات متعددة الجنسيات تتصارع للعودة إلى إيران، مع أن نظرة طهران إليها تختلف باختلاف جودة علاقات بلدانها الأصلية معها.
ويشكل الاتفاق النووي الذي دخل حيز التنفيذ نصرا ساحقا للرئيس الإيراني، حسن روحاني، لأنه لا محالة سيستفيد منه سياسيا نظرا لأهمية رفع العقوبات وكذا التحسن المنتظر في مجال الاقتصاد وحتى في مستوى عيش الإيرانيين. وهو ما حذا به من داخل برلمان بلاده، إلى دعوة المستثمرين الأجانب وباقي الأوساط الاقتصادية إلى التأهب للعودة إلى إيران لأنها تحتوي على رابع احتياطي للنفط في العالم وثاني احتياطي للغاز الطبيعي.
جريدة «نيويورك تايمز» علقت أن إيران قادرة على جذب خمسين مليار دولار من الاستثمارات الخاصة خلال الخمس سنوات المقبلة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية فقد عبرت عن التزامها بتسديد ما تدين به لإيران وهو مبلغ يقدر بـ1.7 مليار دولار، فيما أوضح البنك الدولي أنه سيرفع اليد عن حوالي 3 ملايير دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة، وذلك في انتظار تسريح ثلاثين مليار دولار خلال سنة من الآن.
قناة «روسيا اليوم» قالت إن الصين وروسيا واليابان، الحاضرة أساسا في إيران، لن تجد أدنى صعوبة في الاستحواذ على جل الأسواق، أما روسيا، التي تعد حليفا تاريخيا لإيران، فلها قصب السبق في قطاعات استراتيجية، ولهذا فهدف موسكو وطهران يتمثل في رفع قيمة المبادلات التجارية بينهما لتصل إلى 10 مليارات دولار في السنة، مقابل مليار ونصف المليار في الوقت الحالي. وقد أعلنت موسكو، حسب ما أوردته قناة «روسيا اليوم»، أنها على استعداد لمنح إيران خط ائتمان بقيمة خمسة ملايير دولار.
أما الشركات الأوربية فتسعى هي الأخرى للتفوق على نظيرتها الأمريكية المغلولة اليد بفعل غياب أي نوع من العلاقات الدبلوماسية بين أمريكا وطهران منذ خمس وثلاثين سنة.
في تقرير لها يبدو أنها أعدته بشكل قبلي لـ«الاحتفال بعودة إيران إلى حظيرة الأمم المتحدة»، تحدثت قناة «سي إن إن» الأمريكية عن أن الشركات الفرنسية «طوطال» و«بوجو» و«رونو» مستعدة للالتحاق بالسوق الإيرانية.
أما في مجال الطيران المدني، فتنوي إيران تفعيل مبدأ المنافسة بين شركة «آيرباص» الأوربية و«بوينغ» الأمريكية. ولكي تمول آنيا حقول البترول الخاصة بها، ستعمل إيران على رفع إنتاجها بـ 500 ألف برميل إضافية خلال الأشهر الستة المقبلة ليبلغ مليوني برميل في اليوم. وبالموازاة مع ذلك، فتحت طهران وواشنطن الطريق لخلق تقارب في ما يخص مسألة التفاهم النووي، كما أعلنتا عن تحرير ستة أمريكيين محتجزين في طهران، منهم صحافي «الواشنطن بوسط» جاسون ريزين، مقابل تحرير ستة إيرانيين محتجزين في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الاتفاق النووي الإيراني لا يضر بأي بلد من البلدان، غير أن أصدقاء إيران مرتاحون للتوقيع، في حين أن أعداءها في حالة من القلق المفرط، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وإسرائيل، والسبب في ذلك أن التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، اللتين قطعتا علاقاتهما منذ سنة 1980، يثير حفيظة حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وإسرائيل، لتخوفهم من تأثير المد الشيعي.